يهوذا يأتيه بالطعام. ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار وجرّد عن ثيابه أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب، فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف، فجاء جبريل فأخرجه وألبسه إياه وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ قيل أُوحى إليه في الصغر كما أُوحى إلى يحيى وعيسى : وقيل كان إذ ذاك مدركا. وعن الحسن : كان له سبع عشرة سنة لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وإنما أُوحى اليه ليؤنس في الظلمة والوحشة، ويبشر بما يؤول إليه أَمره. ومعناه : لتتخلصن مما أَنت فيه، ولتحدّثن إخوتك بما فعلوا بك وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنك يوسف لعلوّ شأنك وكبرياء سلطانك، وبعد حالك عن أَوهامهم، ولطول العهد المبدّل للهيئات والأشكال، وذلك أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون، دعا بالصواع فوضعه على يده، ثم نقره فطنّ فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أَنه كان لكم أَخ من أَبيكم يقال له يوسف، وكان يدنيه دونكم، وأَنكم انطلقتم به وأَلقيتموه في غيابة الجب، وقلتم لأبيكم : أَكله الذئب، وبعتموه بثمن بخس. ويجوز أَن يتعلق وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بقوله وَأَوْحَيْنا على أَنا آنسناه بالوحي وأزلنا عن قلبه الوحشة، وهم لا يشعرون ذلك ويحسبون أنه مرهق مستوحش لا أَنيس له. وقرئ : لننبئنهم، بالنون على أَنه وعيد لهم. وقوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ متعلق بأوحينا لا غير.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٦ إلى ١٧]
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧)
وعن الحسن : عشيا، على تصغير عشىّ. يقال : لقيته عشيا وعشياناً، «١» وأصيلا وأصيلاناً ورواه ابن جنى : عشى، بضم العين والقصر. وقال عشوا من البكاء. وروى أَن امرأَة حاكمت إلى شريح فبكت، فقال له الشعبي : يا أبا أمية، أما تراها تبكى؟ فقال : قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة : ولا ينبغي لأحد أن يقضى إلا بما أمر أن يقضى به من السنة المرضية. وروى أَنه لما سمع صوتهم «٢» فزع وقال : ما لكم يا بنىّ؟ هل أَصابكم في غنمكم شي ء؟ قالوا : لا. قال :
فما لكم وأين يوسف؟ قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ أَى نتسابق، والافتعال والتفاعل يشتركان
(١). قوله «يقال : لقيته عشياً وعشياناً» وهذا لو حذفت نونه صار عشيا، كقراءة الحسن. (ع) [.....]
(٢). قال محمود :«روى أنه لما سمع أصواتهم قال : يا بنى، هل أصابكم في غنمكم شي ء؟ قالوا لا.. الخ» قال أحمد : وقواه على اتهامهم أنهم ادعوا الوجه الخاص الذي خاف يعقوب عليه السلام هلاكه بسببه أولا.
أكل الذئب إياه، فاتهمهم أن يكونوا تلقفوا العذر من قوله لهم وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وكثيرا ما الأعذار الباطلة من قلق في المخاطب المعتذر إليه، حتى كان بعض أمراء المؤمنين يلقنون السارق الإنكار.