وقيل : ما كان أحد يستطيع وصف يوسف. وقيل : كان يشبه آدم يوم خلقه ربه. وقيل : ورث الجمال من جدّته سارة. وقيل : أكبرن بمعنى حضن، والهاء للسكت. يقال : أكبرت المرأة إذا حاضت، وحقيقته : دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حدّ الصغر إلى حدّ الكبر، وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله :
خَفِ اللَّهَ وَاسْتُرْ ذَا الْجَمَالَ بِبُرْقُعٍ فَإنْ لُحْتَ حَاضَتْ فِى الْخُدُورِ الْعَوَاتِقُ «١»
قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ جرحنها، كما تقول : كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، تريد : جرحتها حاشَ كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء. تقول : أساء القوم حاشا زيد. قال :
حَاشَا أَبِى ثَوْبَانَ إنَّ بِهِ ضَنَّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ «٢»
وهي حرف من حروف الجر، فوضعت موضع التنزيه والبراءة، فمعنى «حاشا اللّه» براءة اللّه وتنزيه اللّه، وهي قراءة ابن مسعود، على إضافة حاشا إلى اللّه إضافة البراءة. ومن قرأ :
حاشا للّه، فنحو قولك : سقيا لك، كأنه قال : براءة، ثم قال : للّه، لبيان من يبرأ وينزه.
والدليل على تنزيل «حاشا» منزلة المصدر : قراءة أبى السمال : حاشَ لِلَّهِ، بالتنوين. وقراءة أبى عمرو حاشَ لِلَّهِ بحذف الألف الآخرة. وقراءة الأعمش حاشَ لِلَّهِ بحذف الألف الأولى.
وقرئ حاشَ لِلَّهِ بسكون الشين، على أن الفتحة تبعت الألف في الإسقاط، وهي ضعيفة لما فيها من التقاء الساكنين على غير حدّه. وقرئ : حاشا الإله. فإن قلت : فلم جاز في حاشا للّه أن لا ينوّن بعد إجرائه مجرى : براءة للّه؟ قلت : مراعاة لأصله الذي هو الحرفية. ألا ترى إلى

__
(١). لأبى الطيب، يقول : اتق اللّه واستر هذا الجمال الذي في وجهك ببرقع، لأنك إن ظهرت حاضت العواتق، أى خيار النساء وهن في خدورهن، لما ينظرن من جمالك. ولاح يلوح : ظهر يظهر.
(٢) حاشا أبى ثوبان إن أبا ثوبان ليس ببكمة فدم
عمرو بن عبد اللّه إن به ضنا عن الملحاة والشتم
للمنقذ بن الطماح وهو الجميح الأسدى. وحاشا : كلمة تبرئة وتنزيه واقعة موقع المصدر مضافة لما بعدها، كسبحان اللّه. ويجوز أنها حاشا الاستثنائية، وهي حرف جر عند الأكثر. ورواه الضبي : حاشا أبا ثوبان بالنصب، فهو فعل، واحتمال لغة القصر ضعيف لشهرة لغة الإعراب بالحروف. وعلى الأول فبناؤها لمشابهتها للحرفية لفظا ومعنى.
وبكم الرجل - كتعب - : إذا عجز عن الكلام. وقدم كسهل وظرف، إذا عجز عن الحجة كأن فمه مسدود.
والضن - بالكسر - : البخل. والملحاة : مفعلة، من لحاه إذا لامه. واللحاء - كالرداء - مفاعلة من اللحن والعذل، من لحوت العود إذا قشرته. وتكرير أبى ثوبان لتعظيمه والتنويه باسمه، ليس ببكمة بالضم، أى ذى بكمة، أى :
ليس بأبكم، ولا قدم : أى عاجز عن الكلام. وعمرو : قيل إنه بدل من أبى ثوبان، فقوله : إن أبا ثوبان الخ :
جملة اعتراضية مبينة لوجه التنزيه. وفي قوله : إن به ضنا، بيان لوجه سكوته عن مؤاخذة اللئام. والمعنى : إن به امتناعا وتنزها عن اللؤم والشتم.


الصفحة التالية
Icon