«من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهم «١»» ومنه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - للمارّين به في معتكفه وعنده بعض نسائه - «هي فلانة» «٢» اتقاء للتهمة، وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره - واللّه يغفر له - حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجونى. ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال : ارجع إلى ربك. ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث، لأسرعت الإجابة «٣» وبادرتهم الباب ولما ابتغيت العذر، إن كان لحليما ذا أناة». وإنما قال : سل الملك عن حال النسوة ولم يقل سله أن يفتش عن شأنهن، لأنّ السؤال مما يهيج الإنسان ويحركه للبحث عما سئل عنه، فأراد أن يورد عليه السؤال ليجدّ في التفتيش عن حقيقة القصة وفصّ الحديث «٤» حتى يتبين له براءته بياناً مكشوفاً يتميز فيه الحق من الباطل. وقرئ النِّسْوَةِ
بضم النون ومن كرمه وحسن أدبه : أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب، واقتصر على ذكر المقطعات أيديهنّ إِنَّ رَبِّي إنّ اللّه تعالى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ أراد أنه كيد عظيم لا يعلمه إلا اللّه، لبعد غوره. أو استشهد بعلم اللّه على أنهنّ كدنه، وأنه بريء مما قرف به. أو أراد الوعيد لهنّ، أى : هو عليم بكيدهنّ فمجازيهنّ عليه ما خَطْبُكُنَّ ما شأنكنّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ هل وجدتنّ منه ميلا إليكنّ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تعجباً من عفته وذهابه بنفسه عن شيء من الريبة ومن نزاهته عنها قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أى ثبت واستقرّ وقرئ حَصْحَصَ على البناء للمفعول، وهو من حصحص البعير إذا ألقى ثفناته «٥» للإناخة. قال
(١). يأتى في الأحزاب.
(٢). متفق عليه من حديث على بن الحسين عن صفية بنت حيي قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتكف فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معى ليقلبنى. وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار. فلما رأياه أسرعا. فقال : على رسلكما، إنما صفية - الحديث» [.....]
(٣). أخرجه عبد الرزاق والطبري من طريقه عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة بهذا بدون قوله «إن كان لحليما ذا أناة» وصله إسحاق من رواية إبراهيم بن يزيد الجوزي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس بمعناه وزاد : ولولا الكلمة التي قالها ما لبث في السجن حتى يبتغى الفرج من عند غير اللّه - يعنى قوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ وأخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق إسحاق. وأما قوله «إن كان لحليما ذا أناة» فأخرج الطبري من رواية أبى إسحاق عن رجل لم يسم عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال «يرحم اللّه يوسف، لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إلى لخرجت سريعا، إن كان لحليما ذا أناة» ورواه ابن مردويه من طريق ابن إسحاق عن عبد اللّه ابن أبى بكر عن الزهري وعن الأعرج عن أبى هريرة.
(٤). قوله «و فص الحديث» في الصحاح «فص الأمر» مفصله. (ع)
(٥). قوله «ألقى ثفناته للاناخة» هي ما يقع على الأرض من أعضاء البعير إذا استناخ وغلظ كالركبتين وغيرهما، كذا في الصحاح. (ع)