متيسر لا يتعاظمه. ويجوز أن يكون من كلام يعقوب، وأن حمل بعير واحد شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد، كقوله ذلِكَ لِيَعْلَمَ «١»
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٦]
قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)
لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ مناف حالى «٢» - وقد رأيت منكم ما رأيت - إرساله معكم حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ حتى تعطوني ما أتوثق به من عند اللّه، أراد أن يحلفوا له باللّه : وإنما جعل الحلف باللّه موثقاً منه لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشدّد. وقد أذن اللّه في ذلك فهو إذن منه لَتَأْتُنَّنِي بِهِ جواب اليمين، لأن المعنى : حتى تحلفوا لتأتننى به إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ إلا أن تغلبوا «٣» فلم تطيقوا الإتيان به. أو إلا أن تهلكوا. فإن قلت : أخبرنى عن حقيقة هذا الاستثناء ففيه إشكال؟ قلت : أَنْ يُحاطَ بِكُمْ مفعول له، والكلام المثبت الذي هو قوله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ في تأويل النفي. معناه : لا تمتنعون من الإتيان به إلا للإحاطة بكم، أى : لا تمتنعون منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة : وهي أن يحاط بكم، فهو استثناء من أعم العام في المفعول له، والاستثناء من أعم العام لا يكون إلا في النفي وحده، فلا بد من تأويله بالنفي. ونظيره من الإثبات المتأوّل بمعنى النفي قولهم : أقسمت باللّه لما فعلت وإلا فعلت، تريد : ما أطلب منك إلا الفعل عَلى ما نَقُولُ من طلب الموثق وإعطائه وَكِيلٌ رقيب مطلع.
(١). قوله «كقوله ذلك ليعلم» هل المراد أن جواز كونه من كلام يعقوب، لأن المعنى يؤدى إليه، كما جاز في قوله تعالى ذلِكَ لِيَعْلَمَ كونه من كلام يوسف، لأن المعنى يقود إليه، فتدبر. (ع)
(٢). قال محمود :«معناه أن إرساله معكم مناف... الخ» قال أحمد : لن للنفي المؤكد. وأما قول الزمخشري في المنافاة له، فله وراء ذلك غرض إنما يطلع عليه من قتل كلامه علما، وذلك أنه اعتمد في إحالة الرؤية على اللّه تعالى، على أن قوله تعالى لَنْ تَرانِي معناه أن الرؤية منافية لحالي، وجعل هذه المنافاة من مقتضى لَنْ ثم التزم ذلك في هذه اللفظة حيثما وقعت، كل ذلك لتمرن الأذهان على أن هذا مقتضى لَنْ وقد سبق وجه الرد عليه في ذلك.
(٣). عاد كلامه. قال :«و قوله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ معناه إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان... الخ» قال أحمد : وإنما اختص هذا النوع من الاستثناء بالنفي، لأن المستثنى منه مسكوت عنه، والنفي عام، إذ يلزم من نفى الإتيان مثلا نفى جميع العوارض اللاحقة به ضرورة، فكأنه لعمومه مقرون بذكر المستثنى منه، ولا كذلك الإتيان، فانه لا إشعار له بعموم الأحوال، لأنه لا يتوقف إلا على أحدها، واللّه أعلم. ولقد صدقت هذه القصة المثل السائر، وهو قولهم «البلاء موكل بالمنطق» فان يعقوب عليه السلام قال أولا في حق يوسف : وأخاف أن يأكله الذئب، فابتلى من ناحية هذا القول. وقال هاهنا ثانياً : إلا أن يحاط بكم، أى تغلبوا عليه، فابتلى أيضاً بذلك، وأحيط بهم، وغلبوا عليه.