ومعنى تَفْتَؤُا لا تزال. وعن مجاهد : لا تفتر من حبه، كأنه جعل الفتوء والفتور أخوين.
يقال : ما فتئ يفعل. قال أوس :
فَما فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِى وَيَلْحَقُ مِنهَا لَاحِقٌ وَتَقَطعُ «١»
حَرَضاً مشفياً على الهلاك مرضاً، وأحرضه المرض، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، لأنه مصدر. والصفة : حَرِض، بكسر الراء. ونحوهما : دنف ودنف، وجاءت القراءة بهما جميعاً. وقرأ الحسن : حرضاً، بضمتين، ونحوه في الصفات : رجل جنب وغرب.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٦]
قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦)
البث : أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه، فيبثه إلى الناس أى ينشره. ومنه : باثه أمره، وأبثه إياه. ومعنى نَّما أَشْكُوا
إنى لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم، إنما أشكو إلى ربى داعياً له وملتجئاً إليه، فخلوني وشكايتي. وهذا معنى توليه عنهم، أى فتولى عنهم إلى اللّه والشكاية إليه. وقيل : دخل على يعقوب جارٌ له فقال : يا يعقوب، قد تهشمت وفنيت وبلغت من السن ما بلغ أبوك! فقال : هشمنى وأفنانى ما ابتلاني اللّه به من همّ يوسف، فأوحى اللّه إليه :
يا يعقوب، أتشكوني إلى خلقي؟ قال : يا رب خطيئة أخطأتها فاغفر لي، فغفر له، فكان بعد ذلك إذا سئل قال : إنما أشكو بثي وحزنى إلى اللّه. وروى أنه أوحى إلى يعقوب : إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه، وإن أحب خلقي إلىّ الأنبياء، ثم المساكين، فاصنع طعاما وادع عليه المساكين. وقيل : اشترى جارية مع ولدها، فباع ولدها فبكت حتى عميت أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
أى أعلم من صنعه ورحمته وحسن ظنى به أنه يأتينى بالفرج من حيث لا أحتسب. وروى أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله : هل قبضت روح يوسف؟ فقال، لا واللّه هو حىّ فاطلبه. وقرأ الحسن : وحزنى، بفتحتين. وحزنى، بضمتين : قتادة.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٧]
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)

__
(١). لأوس بن حجر، وكنى بالخيل عن أصحابها. ويقال : ثاب وثوب. إذا لوح بطرف ثوبه عند النداء من بعيد. وتدعى : تفتعل من الدعاء أى يدعو بعضهم بعضا. ويحتمل أن تثوب بمعنى ترجع، أى تذهب وترجع.
ومعنى «تدعي» تلاحق وينتسب بعضها إلى بعض مجازاً، فيجوز أن الخيل حقيقة. أو شبه الخيل بالناس على طريق المكنية، والادعاء بمعنى التنادى تخييل، وهذان الوجهان أنسب بقوله «و يلحق» أى يسبق منها سابق. وتقطع :
أى تتقطع وينقطع بعضها عن بعض قطعا قطعا، فهي تجتمع وتفترق : صور الحرب من أولها إلى آخرها في هذا البيت، أى : فما زالت الخيل تفعل كذلك حتى انتهت الحرب.


الصفحة التالية
Icon