فَصَلَتِ الْعِيرُ خرجت من عريش مصر. يقال : فصل من البلد فصولا، إذا انفصل منه وجاوز حيطانه. وقرأ ابن عباس : فلما انفصل العير قالَ لولد ولده ومن حوله من قومه :
إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ أوجده اللّه ريح القميص حين أقبل من مسيرة ثمان. والتفنيد :
النسبة إلى الفند، وهو الخرف وإنكار العقل من هرم. يقال : شيخ مفند، ولا يقال عجوز مفندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأى فتفند في كبرها. والمعنى : لولا تفنيدكم إياى لصدقتمونى لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ لفي ذهابك عن الصواب قدما في إفراط محبتك ليوسف، ولهجك بذكره، ورجائك للقائه، وكان عندهم أنه قد مات أَلْقاهُ طرح البشير القميص على وجه يعقوب.
أو ألقاه يعقوب فَارْتَدَّ بَصِيراً فرجع بصيراً. يقال : ردّه فارتد، وارتده إذا ارتجعه أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يعنى قوله إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ أو قوله وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وقوله إِنِّي أَعْلَمُ كلام مبتدأ لم يقع عليه القول، ولك أن توقعه عليه وتربد قوله نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
ورى : أنه سأل البشير كيف يوسف؟ فقال : هو ملك مصر :
فقال : ما أصنع بالملك؟ على أن دين تركته؟ قال : على دين الإسلام. قال : الآن تمت النعمة.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٧ إلى ٩٨]
قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ قيل : أخر الاستغفار إلى وقت السحر. وقيل : إلى ليلة الجمعة ليتعمد به وقت الإجابة. وقيل : ليتعرّف حالهم في صدق التوبة وإخلاصها. وقيل : أراد الدوام على الاستغفار لهم. فقد روى أنه كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة. وقيل : قام إلى الصلاة في وقت السحر، فلما فرغ رفع يديه وقال : اللهمّ اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه، واغفر لولدي ما أتوا إلى أخيهم، فأوحى إليه : إنّ اللّه قد غفر لك ولهم أجمعين.
وروى أنهم قالوا له وقد علتهم الكآبة : ما يغنى عنا عفو كما إن لم يعف عنا ربنا، فإن لم يوح إليك بالعفو فلا قرّت لنا عين أبداً، فاستقبل الشيخ القبلة قائما يدعو، وقام يوسف خلفه يؤمّن، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين عشرين سنة حتى بلغ جهدهم وظنوا أنها الهلكة نزل جبريل عليه السلام فقال : إن اللّه قد أجاب دعوتك في ولدك، وعقد مواثيقهم بعدك على النبوّة، وقد اختلف في استنبائهم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٩ إلى ١٠٠]
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)