إِنْ شاءَ اللَّهُ من باب التقديم والتأخير، وأن موضعها ما بعد قوله سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي في كلام يعقوب، وما أدرى ما أقول فيه وفي نظائره. فإن قلت : كيف جاز لهم أن يسجدوا لغير اللّه؟ قلت : كانت السجدة عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة، كالقيام، والمصافحة وتقبيل اليد.
ونحوها مما جرت عليه عادة الناس، من أفعال شهرت في التعظيم والتوقير. وقيل : ما كانت إلا انحناء دون تعفير الجباه، وخرورهم سجداً يأباه. وقيل : معناه وخرّوا لأجل يوسف سجداً للّه شكراً. وهذا أيضا فيه نبوة. يقال : أحسن إليه وبه، وكذلك أساء إليه وبه. قال :
أَسِيئِى بِنَا أَوْ أَحْسِنِى لَا مَلُومَةً «١»
مِنَ الْبَدْوِ من البادية، لأنهم كانوا أهل عمد وأصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناجع نَزَغَ أفسد بيننا وأغرى، وأصله من نخس الرائض الدابة وحمله على الجري. يقال، نزغه ونسغه، إذا نخسه لَطِيفٌ لِما يَشاءُ لطيف التدبير لأجله، رفيق حتى يجيء على وجه الحكمة والصواب. وروى أن يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه، فأدخله خزائن الورق والذهب، وخزائن الحلىّ، وخزائن الثياب، وخزائن السلاح وغير ذلك، فلما أدخله خزانة القراطيس قال : يا بنىّ، ما أعقك : عندك هذه القراطيس وما كتبت إلىّ على ثمان مراحل؟
قال : أمرنى جبريل. قال أو ما تسأله؟ قال : أنت أبسط إليه منى فسله. قال جبريل عليه السلام :
اللّه تعالى أمرنى بذلك لقولك وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ قال : فهلا خفتنى؟ وروى أن يعقوب أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم مات. وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق. فمضى بنفسه ودفنه ثمة، ثم عاد إلى مصر، وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة، فلما تم أمره وعلم أنه لا يدوم له، طلبت نفسه الملك الدائم الخالد، فتاقت نفسه إليه فتمنى الموت. وقيل : ما تمناه نبىّ قبله ولا بعده، فتوفاه اللّه طيبا طاهراً، فتخاصم أهل مصر وتشاحوا في دفنه : كل يحب أن يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال، فرأوا من الرأى أن عملوا له صندوقا من مر مر وجعلوه فيه، ودفنوه في النيل بمكان يمرّ عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا كلهم فيه شرعا واحداً «٢»، وولد له :
إفراثيم وميشا، وولد لإفراثيم نون، ولنون يوشع فتى موسى، ولقد توارثت الفراعنة من العماليق بعده مصر، ولم يزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه. إلى أن بعث اللّه موسى صلى اللّه عليه وسلم.

__
(١). مر شرح هذا الشاهد صفحة ٢٧٩ من هذا الجزء فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢). قوله «ليكونوا كلهم فيه شرعا واحداً» في الصحاح : الناس في هذا الأمر شرع، أى سواء، يحرك ويسكن. (ع)


الصفحة التالية
Icon