تضاف إلى الحق الذي هو اللّه عز وعلا، على معنى : دعوة المدعوّ الحق الذي يسمع فيجيب.
وعن الحسن : الحق هو اللّه، وكلّ دعاء إليه دعوة الحق. فإن قلت : ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبله «١»؟ قلت. أما على قصة أربد فظاهر، لأن إصابته بالصاعقة محال من اللّه ومكر به من حيث لم يشعر. وقد دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليه وعلى صاحبه بقوله : اللهمّ اخسفهما بما شئت، فأجيب فيهما «٢»، فكانت الدعوة دعوة حق. وأما على الأوّل فوعيد للكفرة على مجادلتهم رسول اللّه بحلول محاله بهم، وإجابة دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن دعا عليهم فيهم وَالَّذِينَ يَدْعُونَ والآلهة الذين يدعوهم الكفار مِنْ دون اللّه لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ من طلباتهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه، أى كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم. وقيل : شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه، فبسطهما ناشراً أصابعه، فلم تلق كفاه منه شيئاً ولم يبلغ طلبته من شربه.
وقرئ : تدعون، بالتاء. كباسط كفيه، بالتنوين إِلَّا فِي ضَلالٍ إلا في ضياع لا منفعة فيه، لأنهم إن دعوا اللّه لم يجبهم، وإن دعوا الآلهة لم تستطع إجابتهم.
[سورة الرعد (١٣) : آية ١٥]
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ أى ينقادون لإحداث ما أراده فيهم من أفعاله، شاءوا أو أبوا. لا يقدرون أن يمتنعوا عليه، وتنقاد له ظِلالُهُمْ أيضاً، حيث تتصرف على مشيئته في الامتداد والتقلص، والفيء والزوال. وقرئ : بالغدوّ والإيصال، من آصلوا : إذا دخلوا في الأصيل.
[سورة الرعد (١٣) : آية ١٦]
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)

__
(١). قوله «اتصال هذين الوصفين بما قبله» عبارة النسفي : واتصال شَدِيدُ الْمِحالِ ولَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ بما قبله. (ع)
(٢). ذكره الواحدي في الأسباب عن ابن عباس في القصة المذكورة. ولم أره فيها في الطريقين المتقدمين من رواية الكلبي وغيره.


الصفحة التالية
Icon