وكل عمل له وجوه يعمل عليها، فعلى المؤمن أن ينوى منها ما به كان حسناً عند اللّه، وإلا لم يستحق به ثواباً، وكان فعل كلا فعل مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الحلال، لأنّ الحرام لا يكون رزقا «١» ولا يسند إلى اللّه «٢» سِرًّا وَعَلانِيَةً يتناول النوافل، لأنها في السر أفضل - والفرائض، لوجوب المجاهرة بها نفياً للتهمة وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ويدفعونها. عن ابن عباس :
يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيئ غيرهم. وعن الحسن : إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا. وعن ابن كيسان : إذا أذنبوا تابوا. وقيل : إذا رأوا منكراً أمروا بتغييره عُقْبَى الدَّارِ عاقبة الدنيا وهي الجنة، لأنها التي أراد اللّه أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها «٣». وجَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من عقبى الدار. وقرئ : فنعم، بفتح النون.
(١). قوله «لأن الحرام لا يكون رزقا» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فيكون رزقا كالحلال. (ع)
(٢). قال محمود :«المراد مما رزقناهم من الحلال، لأن الحرام لا يكون رزقا ولا يسند إلى اللّه تعالى» قال أحمد :
الحق أن لا رازق إلا اللّه إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ كما أنه لا خالق إلا اللّه هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ فإذا اقتضى العقل والسمع جميعاً أن لا رازق إلا اللّه فأى مقال بعد ذلك يبقى للقدرى الزاعم أن أكثر العبيد يرزقون أنفسهم لأن الغالب الحرام وهو مع ذلك مصمم على معتقده الفاسد لا يدعه ولا تكفه القوارع السمعية والعقلية ولا تردعه فبأى حديث بعد اللّه وآياته يؤمنون.
(٣). قال محمود :«المراد عاقبة الدنيا ومرجع أهلها... الخ» قال أحمد : قد تكرر مجيء العاقبة المطلقة مثل وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ، مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ. وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ والمراد في جميع ذلك : عقبى الخير والسعادة، والزمخشري يستنبط من تكرار مجيء العاقبة المطلقة والمراد عاقبة الخير أنها هي التي أرادها اللّه فهي الأصل والعاقبة الأخرى لما لم تكن مرادة بل عارضة على خلاف المراد والأصل لم يكن من حقها أن يعبر عنها إلا بتقييد يفهمها كقوله وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ كل ذلك من الزمخشري تهالك على أن ينسب إلى اللّه إرادة ما لم يقع ومشيئة ما لم يكن مصادمة لما أنطق اللّه به ألسنة حملة الشريعة ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، وليس في مجيء ذلك على الإطلاق ما يعين أنه الأصل باعتبار الارادة، ففعله الأصل باعتبار الأمر، ونحن نقول : إن المؤدى إلى حمد العاقبة مأمور به، والمؤدى إلى سوئها منهى عنه، فمن ثم كانت عاقبة الخير هي الأصل، واللّه الموفق.