في كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام. وكان متقلبا في أيدى أولئك الأعلام المحتاطين في دين اللّه المهيمنين عليه لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه واللّه فرية ما فيها مرية. ويجوز أن يتعلق أَنْ لَوْ يَشاءُ بآمنوا، على : أولم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا ولهداهم تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارِعَةٌ داهية تقرعهم بما يحل اللّه بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم أَوْ تَحُلُّ القارعة قَرِيباً منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها، ويتعدى إليهم شرورها حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ وهو موتهم، أو القيامة. وقيل : ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا «١» فتغير حول مكة وتختطف منهم، وتصيب من مواشيهم. أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم بجيشك، كما حل بالحديبية، حتى يأتى وعد اللّه وهو فتح مكة، وكان اللّه قد وعده ذلك
[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٢]
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢)
الإملاء : الإمهال، وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن، كالبهيمة يملى لها في المرعى وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. استهزاء به وتسلية له.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٣ إلى ٣٤]
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٣٤)
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ احتجاج عليهم في إشراكهم باللّه، يعنى أفا اللّه الذي هو قائم رقيب عَلى كُلِّ نَفْسٍ صالحة أو طالحة بِما كَسَبَتْ يعلم خيره وشره، ويعدّ لكل جزاءه،
(١). قلت : هو موجود في المغازي لابن اسحق. والواقدي، وطبقات ابن سعد في عدة سرايا منها سرية زيد ابن حارثة ليلقى عير قريش، وسرية على الحر بن سعد بن بكر وغيرهما.