بل هو هين عليه يسير «١»، لأنه قادر الذات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، فإذا خلص له الداعي إلى شيء وانتفى الصارف، تكوّن من غير توقف : كتحريك أصبعك إذا دعاك إليه داع ولم يعترض دونه صارف. وهذه الآيات بيان لإبعادهم في الضلال وعظيم خطئهم في الكفر باللّه، لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة وأنه هو الحقيق بأن يعبد، ويخاف عقابه ويرجى ثوابه في دار الجزاء.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢١]
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)
وَبَرَزُوا لِلَّهِ ويبرزون يوم القيامة. وإنما جيء به بلفظ الماضي، لأنّ ما أخبر به عزّ وعلا لصدقه كأنه قد كان ووجد، ونحوه وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ، وَنادى أَصْحابُ النَّارِ ونظائر له. ومعنى بروزهم للّه - واللّه تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز له - أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أن ذلك خاف على اللّه، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا للّه عند أنفسهم وعلموا أنّ اللّه لا يخفى عليه خافية. أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب اللّه وحكمه. فإن قلت : لم كتب «الضعفؤا» بواو قبل الهمزة؟ قلت : كتب على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو. ونظيره «علمؤا بنى إسرائيل» والضعفاء :
الأتباع والعوام. والذين استكبروا : ساداتهم وكبراؤهم، الذين استتبعوهم واستغووهم وصدورهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم تَبَعاً تابعين : جمع تابع على تبع، كقولهم : خادم وخدم وغائب وغيب «٢» أو ذوى تبع. والتبع : الأتباع، يقال : تبعه تبعا. فان قلت : أى فرق بين من في مِنْ عَذابِ اللَّهِ وبينه في مِنْ شَيْ ءٍ؟ قلت : الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض، كأنه قيل : هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب اللّه. ويجوز أن تكونا للتبعيض معا، بمعنى : هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب اللّه، أى : بعض بعض عذاب اللّه

__
(١). عاد كلامه. قال : معناه وما ذلك على اللّه بعزيز، أى : هين عليه، لأنه قادر بالذات الخ... قال أحمد : وهذا اعتزال صراح لهم يتقنع في إبرازه، وما أبشع قوله عن اللّه جل جلاله، خلص له الداعي وأمضى الصارف، وما أنباه عن سمع المحققين العارفين بآداب اللّه تعالى وبما يجب في حق جلاله، وقد تقدم ما فيه كفاية.
(٢). قوله «خادم وخدم وغائب وغيب» في الصحاح : وإنما ثبتت فيه الياء في التحريك، لأنه شبه بصيد وإن كان جمعا، وصيد مصدر قولك «بعير أصيد» لأنه يجوز أن ينوى به المصدر. (ع)


الصفحة التالية
Icon