تفسير لقوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كقولك : شرّف الأمير زيداً : كساه حلة، وحمله على فرس.
ويجوز أن ينتصب مَثَلًا وكَلِمَةً بضرب، أى : ضرب كلمة طيبة مثلا، بمعنى : جعلها مثلا ثم قال كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ على أنها خبر مبتدأ محذوف، بمعنى هي كشجرة طيبة أَصْلُها ثابِتٌ يعنى في الأرض ضارب بعروقه فيها وَفَرْعُها وأعلاها ورأسها فِي السَّماءِ ويجوز أن يريد : وفروعها، على الاكتفاء بلفظ الجنس. وقرأ أنس بن مالك : كشجرة طيبة ثابت أصلها فإن قلت : أىّ فرق بين القراءتين؟ قلت : قراءة الجماعة أقوى معنى، لأنّ في قراءة أنس أجريت الصفة على الشجرة، وإذا قلت : مررت برجل أبوه قائم، فهو أقوى معنى من قولك : مررت برجل قائم أبوه، لأنّ المخبر عنه إنما هو الأب لا رجل. والكلمة الطيبة : كلمة التوحيد. وقيل :
كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة. وعن ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا اللّه. وأما الشجرة فكل شجرة مثمرة طيبة النمار، كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمّان وغير ذلك. وعن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ذات يوم :«إن اللّه ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبرونى ما هي» «١» فوقع الناس في شجر البوادي، وكنت صبيا، فوقع في قلبي أنها النخلة، فهبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أقولها وأنا أصغر القوم. وروى : فمنعني مكان عمرو استحييت، فقال لي عمر : يا بنىّ لو كنت قلتها لكانت أحبّ إلىّ من حمر النعم، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «ألا إنها النخلة» وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : شجرة في الجنة وقوله فِي السَّماءِ معناه في جهة العلوّ والصعود، ولم يرد المظلة، كقولك في الجبل : طويل في السماء تريد ارتفاعه وشموخه تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ تعطى ثمرها كل وقت وقته اللّه لإثمارها بِإِذْنِ رَبِّها بتيسير خالقها وتكوينه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ لأن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعاني.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٦]
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦)
كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ كمثل شجرة خبيثة، أى : صفتها كصفتها. وقرئ : ومثل كلمة بالنصب، عطفا على كلمة طيبة. والكلمة الخبيثة : كلمة الشرك. وقيل : كل كلمة قبيحة. وأمّا الشجرة الخبيثة فكل شجرة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل والكشوث «٢» ونحو ذلك. وقوله اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ في مقابلة قوله أَصْلُها ثابِتٌ ومعنى اجْتُثَّتْ استؤصلت. وحقيقة الاجتثاث
(١). متفق عليه وله ألفاظ.
(٢). قوله «و الكشوث» في الصحاح الكشوث نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض.
قال الشاعر :
هو الكشوث فلا أصل ولا ورق ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر (ع)