المقول محذوف، «١» لأن جواب قُلْ يدل عليه، وتقديره قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا أقيموا الصلاة وأنفقوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا وجوزوا أن يكون يقيموا وينفقوا، بمعنى :
ليقيموا ولينفقوا، ويكون هذا هو المقول، قالوا : وإنما جاز حذف اللام، لأنّ الأمر الذي هو قُلْ عوض منه، ولو قيل : يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام، لم يجز.
فإن قلت : علام انتصب سِرًّا وَعَلانِيَةً؟ قلت : على الحال، أى : ذوى سرّ وعلانية، بمعنى :
مسرين ومعلنين. أو على الظرف، أى وقتى سر وعلانية، أو على المصدر، أى : إنفاق سر وإنفاق علانية، المعنى : إخفاء المتطوع به من الصدقات والإعلان بالواجب : والخلال : المخالة.
فإن قلت : كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ؟ «٢» قلت :
من قبل أنّ الناس يخرجون أَموالهم في عقود المعاوضات، فيعطون بدلا ليأخذوا مثله، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستجروا بهداياهم أَمثالها أو خيراً منها. وأمّا الإنفاق لوجه اللّه خالصا كقوله وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال، أى : لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة، ولا بما ينفقون به أَموالهم من المعاوضات والمكارمات، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه اللّه. وقرئ : لا بيع فيه ولا خلال، بالرفع.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٢ إلى ٣٣]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣)

__
(١). قال محمود :«المقول محذوف... الخ» قال أحمد : وفي هذا الإعراب نظر، لأن الجواب حينئذ يكون خبراً من اللّه تعالى، بأنه إن قال لهم هذا القول امتثلوا مقتضاه فأقاموا الصلاة وأنفقوا، لكنهم قد قيل لهم فلم يمتثل كثير منهم، وخبر اللّه تعالى يجل عن الخلف، وهذه النكتة هي الباعثة لكثير من المعربين على العدول عن هذا الوجه من الإعراب من تبادره فيما ذكر بادى الرأى، ويمكن تصحيحه بحمل العام على الغالب لا على الاستغراق، ويقوى بوجهين لطيفين، أحدهما : أن هذا النظم لم يرد إلا لموصوف بالايمان الحق المنوه بإيمانه عند الأمر، كهذه الآية وكقوله وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ الثاني : تكرر مجيئه للموصوفين بأنهم عباد اللّه المشرفون باضافتهم إلى اسم اللّه، وقد قالوا إن لفظ العباد لم يرد في الكتاب العزيز إلا مدحة للمؤمنين، وخصوصاً إذا انضاف إليه تعالى إضافة التشريف، فالحاصل من ذلك أن المأمور في هذه الآي من هو بصدد الامتثال وفي حيز المسارعة للطاعة، فالخبر في أمثالهم حق وصدق، إما على العموم إن أريد، أو على الغالب، واللّه أعلم.
(٢). قوله «بأنه لا بيع فيه ولا خلال» هذه القراءة بالبناء على الفتح. (ع)


الصفحة التالية
Icon