ورّكوه على ربهم «١» فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إلا أن يبلغوا الحق، وأن اللّه لا يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان، ويطلعوا على بطلان الشرك وقبحه وبراءة اللّه تعالى من أفعال العباد، وأنهم فاعلوها بقصدهم وإرادتهم واختيارهم، واللّه تعالى باعثهم على جميلها وموفقهم له، وزاجرهم عن قبيحها وموعدهم عليه.
[سورة النحل (١٦) : آية ٣٦]
وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)
ولقد أمدّ إبطال قدر السوء ومشيئة الشر بأنه ما من أمة إلا وقد بعث فيهم رسولا يأمرهم بالخير الذي هو الإيمان وعبادة اللّه، وباجتناب الشر الذي هو طاعة الطاغوت فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ أى لطف به لأنه عرفه من أهل اللطف وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ أى ثبت عليه الخذلان والترك من اللطف، لأنه عرفه مصمما على الكفر لا يأتى منه خير فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ما فعلت بالمكذبين حتى لا يبقى لكم شبهة في أنى لا أقدّر الشر ولا أشاؤه، حيث أفعل ما أفعل بالأشرار.
[سورة النحل (١٦) : آية ٣٧]
إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧)
ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على إيمانهم، وعرّفه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة، وأنه لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ أى لا يلطف بمن يخذل، لأنه عبث، واللّه تعالى متعال عن العبث، لأنه من قبيل القبائح التي لا تجوز عليه. وقرئ : لا يهدى «٢»، أى :
لا تقدر أنت ولا أحد على هدايته وقد خذله اللّه. وقوله وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ دليل على أنّ المراد بالإضلال : الخذلان الذي هو نقيض النصرة. ويجوز أن يكون لا يَهْدِي بمعنى لا يهتدى. يقال : هداه اللّه فهدى. وفي قراءة أبىّ : فإنّ اللّه لا هادى لمن يضل، ولمن أضلّ «٣»، وهي معاضدة لمن قرأ لا يَهْدِي على البناء للمفعول. وفي قراءة عبد اللّه : يهدى، بإدغام تاء يهتدى، وهي معاضدة للأولى. وقرئ «يضل» بالفتح. وقرأ النخعي : إن تحرص، بفتح الراء، وهي لغية.

__
(١). قوله «وركوه على ربهم» أى اتهموه به. (ع)
(٢). قوله «و قرئ لا يهدى» أى بالبناء المجهول، كما أفاده النسفي. (ع)
(٣). قوله «و في قراءة أبى : فان اللّه لا هادى لمن يضل ولمن أضل» ظاهره أن هذه قراءة أخرى لأبى، فليحرر. (ع)


الصفحة التالية
Icon