فقد بلغني أنها ربما أجدب عليها ما حولها فتسافر إلى البلد البعيد في طلب النجعة. أو أراد بقوله ثُمَّ كُلِي ثم اقصدي أكل الثمرات فاسلكي في طلبها في مظانها سبل ربك ذُلُلًا جمع ذلول، وهي حال من السبل، لأنّ اللّه ذللها لها ووطأها وسهلها، كقوله هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا أو من الضمير في فَاسْلُكِي أى : وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة شَرابٌ يريد العسل، لأنه مما يشرب مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ منه أبيض وأسود وأصفر وأحمر فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة النافعة، وقلّ معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل، وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض، كما أن كل دواء كذلك.
وتنكيره إمّا لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء، وكلاهما محتمل. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن رجلا جاء إليه فقال : إن أخى يشتكى بطنه، فقال :«اذهب واسقه العسل» فذهب ثم رجع فقال : قد سقيته فما نفع، فقال :«اذهب واسقه عسلا» فقد صدق اللّه وكذب بطن أخيك، فسقاه فشفاه اللّه فبرأ، كأنما أنشط من عقال «١». وعن عبد اللّه بن مسعود :
العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين : القرآن والعسل «٢».
ومن بدع تأويلات الرافضة : أن المراد بالنحل علىّ وقومه : وعن بعضهم أنه قال عند المهدى :
إنما النحل بنو هاشم، يخرج من بطونهم العلم، فقال له رجل : جعل اللّه طعامك وشرابك مما يخرج من بطونهم فضحك المهدى وحدث به المنصور، فاتخذوه أضحوكة من أضاحيكهم.
[سورة النحل (١٦) : آية ٧٠]
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠)
إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ إلى أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة عن علىّ رضى اللّه عنه.
وتسعون سنة عن قتادة، لأنه لا عمر أسوأ حالا من عمر الهرم لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولة في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن
(١). متفق عليه من حديث أبى سعيد وغفل الحاكم فاستدركه.
(٢). لم أره هكذا. وفي الكامل لابن عدى من رواية لابن إسحاق عن أبى الأحوص عن عبد اللّه رفعه «عليكم بالشفاءين : العسل : شفاء من كل داء. والقرآن شفاء لما في الصدور» وقال : لم يرفعه عن وكيع عن الثوري إلا سفيان بن وكيع. قال ورواه زيد بن الحباب عن الثوري أيضا مرفوعا اه وأخرجه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم من رواية زيد بن الحباب بهذا الاسناد مرفوعا بلفظ «عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن» وابن أبى شيبة عن وكيع مرفوعا ولفظه «العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور» ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم والثعلبي أيضا. قال ابن أبى شيبة : وحدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حيية عن الأسود عن عبد اللّه قال «عليكم بالشفاءين القرآن والعسل».