تحت طاقتهم وَالْإِحْسانِ الندب، وإنما علق أمره بهما جميعاً، لأنّ الفرض لا بدّ من أن يقع فيه تفريط «١» فيجبره الندب، ولذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لمن علمه الفرائض فقال : واللّه لا زدت فيها ولا نقصت - :«أفلح إن صدق» «٢» فعقد الفلاح بشرط الصدق والسلامة من التفريط وقال صلى اللّه عليه وسلم «استقيموا ولن تحصوا» «٣» فما ينبغي أن يترك ما يجبر كسر التفريط ممن النوافل. والفواحش : ما جاوز حدود اللّه وَالْمُنْكَرِ ما تنكره العقول «٤» وَالْبَغْيِ طلب التطاول بالظلم، «٥» وحين أسقطت من الخطب «٦» لعنة الملاعين على أمير المؤمنين علىّ رضى اللّه عنه، أقيمت هذه الآية مقامها. ولعمري إنها كانت فاحشة ومنكراً وبغياً، ضاعف اللّه لمن سنها غضباً ونكالا وخزيا، إجابة لدعوة نبيه :
(١). عاد كلامه. قال :«و إنما قرنهما في الأمر، لأن الفرض لا يخلو من خلل وتفريط يجبره الندب...
الخ» قال أحمد : وهذه نكتة حسنة يجاب بها عن قول القائل : لم حكم عليه الصلاة والسلام بفلاح المصر على ترك السنن، فيقال : المحكوم بفلاحه لأجله إنما هو الصدق في سلامة الفرائض من خلل النقص والزيادة، واللّه أعلم. [.....]
(٢). متفق عليه من رواية طلحة بن عبيد اللّه أحد العشرة رضى اللّه عنهم.
(٣). أخرجه ابن ماجة والحاكم وأحمد وابن أبى شيبة والدارمي وأبو يعلى من رواية سالم بن أبى الجعد عن ثوبان. وهو منقطع. ورواه ابن حبان والطبراني من وجه آخر عن ثوبان. ورواه الحاكم من رواية الأعمش عن أبى سفيان عن جابر. ورواه الطبراني والعقيلي من حديث سلمة بن الأكوع وفيه الواقدي. وأخرجه ابن أبى شيبة وإسحاق والبزار والطبراني عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد عن عبد اللّه بن عمرو، وليث ضعيف. وأشار البزار إلى أنه تفرد به.
(٤). عاد كلامه. قال :«و الفواحش ما جاوز حدود اللّه، والمنكر ما تنكره العقول» قال أحمد : وهذه أيضا لفتة إلى الاعتزال، ولو قال : والمنكر ما أنكره الشرع لوافق الحق، ولكنه لا يدع بدعة المعتزلة في التحسين والتقبيح بالعقل، واللّه الموفق.
(٥). عاد كلامه. قال :«و البغي طلب التطاول بالظلم» قال أحمد : وأصل موضوعه الطلب، ومنه ابتغاء وجه اللّه، ابتغاء مرضاة اللّه، ولكن صار مطلقه خاصا بطلب الظلم عرفا.
(٦). عاد كلامه. قال :«و حين أسقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم اللّه وجه... الخ» قال أحمد : ولعل المعوض بهذه الآية عن تلك الهناة، لاحظ التطبيق بين ذكر النهى عن البغي فيها، وبين الحديث الوارد : في أن المناصب لعلى باغ، حيث يقول عليه الصلاة والسلام لعمار وكان من حزب على :
تقتلك الفئة الباغية، واللّه أعلم، فقتل مع على يوم صفين.