قلت : لم وحدت القدم ونكرت؟ «١» قلت : لاستعظام أن تزلّ قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه، فكيف بأقدام كثيرة؟
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٧]
مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)
فإن قلت : مَنْ متناول في نفسه للذكر والأنثى، فما معنى تبيينه بهما؟ قلت : هو مبهم صالح على الإطلاق للنوعين إلا أنه إذا ذكر كان الظاهر تناوله للذكور، فقيل مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى على التبيين، ليعمّ الموعد النوعين جميعاً حَياةً طَيِّبَةً يعنى في الدنيا وهو الظاهر، لقوله وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ وعده اللّه ثواب الدنيا والآخرة، كقوله فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وذلك أنّ المؤمن مع العمل الصالح موسراً كان أو معسراً يعيش عيشاً طيباً إن كان موسراً، فلا مقال فيه. وإن كان معسراً، فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة اللّه. وأمّا الفاجر فأمره على العكس : إن كان معسراً فلا إشكال في أمره، وإن كان موسراً فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه : الحياة الطيبة : الرزق الحلال.
وعن الحسن : القناعة. وعن قتادة : يعنى في الجنة. وقيل : هي حلاوة الطاعة والتوفيق في قلبه.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٩٨ إلى ١٠٠]
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)
لما ذكر العمل الصالح ووعد عليه، وصل به قوله فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إيذاناً بأن الاستعاذة من جمله الأعمال الصالحة التي يجزل اللّه عليها الثواب. والمعنى : فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ كقوله إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وكقولك : إذا أكلت فسمّ اللّه. فإن قلت : لم عبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل؟ قلت : لأن الفعل يوجد عند القصد والإرادة بغير فاصل وعلى حسبه، فكان منه بسبب قوىّ وملابسة ظاهرة. وعن عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه : قرأت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم،
(١). قال محمود :«إن قلت لم وحدت القدم ونكرت... الخ» قال أحمد : ومن جنس إفادة التنكير هاهنا التقليل : إفادته له في قوله تعالى وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ وفي قوله عز وجل اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ فنكر الأذن والنفس تقليلا للواعى من الناس لما يقضى بسداده، وللناظر من الخلق في أمر معاده، واللّه الموفق.