والقانت : القائم بما أمره اللّه. والحنيف : المائل إلى ملة الإسلام غير الزائل عنه. ونفى عنه الشرك تكذيبا لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة أبيهم إبراهيم شاكِراً لِأَنْعُمِهِ روى أنه كان لا يتغدّى إلا مع ضيف، فلم يجد ذات يوم ضيفاً، فأخر غداءه، فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر، فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أنّ بهم جذاماً؟ فقال : الآن وجبت مواكلتكم شكراً للّه على أنه عافاني وابتلاكم اجْتَباهُ اختصه واصطفاه للنبوّة وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إلى ملة الإسلام حَسَنَةً عن قتادة : هي تنوبه اللّه بذكره، حتى ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه. وقيل : الأموال والأولاد، وقيل : قول المصلى منا : كما صليت على إبراهيم لَمِنَ الصَّالِحِينَ لمن أهل الجنة.
[سورة النحل (١٦) : آية ١٢٣]
ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)
ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ في «ثم» هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول اللّه»
صلى اللّه عليه وسلم، وإجلال محله، والإيذان بأنّ أشرف ما أوتى خليل اللّه إبراهيم من الكرامة، وأجلّ ما أولى من النعمة : اتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ملته، من قبل أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى اللّه عليه بها.
[سورة النحل (١٦) : آية ١٢٤]
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤)
السَّبْتُ مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها. والمعنى : إنما جعل وبال السبت وهو المسخ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ واختلافهم فيه أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرّموه تارة، وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة بعد ما حتم اللّه عليهم الصبر عن الصيد فيه وتعظيمه.
والمعنى في ذكر ذلك، نحو المعنى في ضرب القرية التي كفرت بأنعم اللّه مثلا، وغير ما ذكر، وهو الإنذار من سخط اللّه على العصاة والمخالفين لأوامره والخالعين ربقة طاعته. فإن قلت :
ما معنى الحكم بينهم إذا كانوا جميعاً محلين أو محرّمين؟ قلت : معناه أنه يجازيهم جزاء اختلاف
(١). عاد كلامه. قال محمود :«و في ثم هذه ما فيها من تعظيم منزلة محمد صلى اللّه عليه وسلم... الخ» قال أحمد :
وإنما تفيد ذلك ثم لأنها في أصل وضعها لتراخى المعطوف عليه في الزمان، ثم استعملت في تراخيه عنه في علو المرتبة بحيث يكون المعطوف أعلى رتبة وأشمخ محلا مما عطف عليه، فكأنه بعد أن عدد مناقب الخليل عليه السلام قال تعالى : وهاهنا ما هو أعلى من ذلك كله قدراً وأرفع رتبة وأبعد رفعة، وهو أن النبي الأمى الذي هو سيد البشر متبع لملة إبراهيم، مأمور باتباعه بالوحي، متلو أمره بذلك في القرآن العظيم. ففي ذلك تعظيم لهما جميعا، لكن نصيب النبي صلى اللّه عليه وسلم من هذا التعظيم أوفر وأكبر على ما مهدناه، واللّه الموفق للصواب.