أعرض عن السائل وسكت حياء. قوله ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ إمّا أن يتعلق بجواب الشرط مقدّما عليه، أى : فقل لهم قولا سهلا ليناً وعدهم وعداً جميلا، رحمة لهم وتطييباً لقلوبهم، ابتغاء رحمة من ربك، أى : ابتغ رحمة اللّه التي ترجوها برحمتك عليهم. وإما أن يتعلق بالشرط، أى : وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك، فسمى الرزق رحمة، فردّهم ردّاً جميلا، فوضع الابتغاء موضع الفقد، لأنّ فاقد الرزق مبتغ له، فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسبباً عنه، فوضع المسبب موضع السبب. ويجوز أن يكون معنى وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ وإن لم تنفعهم ولم ترفع خصاصتهم لعدم الاستطاعة، ولا يريد الإعراض بالوجه كناية بالإعراض عن ذلك، لأن من أبى أن يعطى : أعرض بوجهه. يقال : يسر الأمر وعسر، مثل سعد الرجل ونحس «١» فهو مفعول، وقيل معناه : فقل لهم رزقنا اللّه وإياكم من فضله، على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم، كأن معناه : قولا ذا ميسور، وهو اليسر «٢»، أى :
دعاء فيه يسر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٩]
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩)
هذا تمثيلٌ لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير فَتَقْعُدَ مَلُوماً فتصير ملوما عند اللّه، لأنّ المسرف غير مرضى عنده وعند الناس، يقول المحتاج : أعطى فلاناً وحرمني. ويقول المستغنى : ما يحسن تدبير أمر المعيشة. وعند نفسك :
إذا احتجت فندمت على ما فعلت مَحْسُوراً منقطعاً بك لا شيء عندك، من حسره السفر إذا بلغ منه وحسره بالمسألة، وعن جابر : بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس أتاه صبى فقال : إنّ أمى تستكسيك درعا، فقال من ساعة إلى ساعة يظهر، فعد إلينا، فذهب إلى أمّه فقالت له قل له : إن أمى تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً، وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة «٣». وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن «٤»، فجاء عباس بن مرداس، وأنشأ يقول :
(١). قوله «مثل سعد الرجل ونحس» في الصحاح : سعد الرجل بالكسر فهو سعيد : مثل سلم فهو سليم.
وسعد بالضم فهو مسعود. (ع)
(٢). قوله «قولا ذا ميسور وهو اليسر» في الصحاح : المعسور ضد الميسور. وهما مصدران. وقال سيبويه :
هما صفتان. (ع)
(٣). لم أجده
(٤). قوله «مائة من الإبل وعيينة بن حصن» لعل بعده سقطا تقديره : مائة.