وَلا تَقْفُ ولا تتبع. وقرئ : ولا تقف، يقال : قفا أثره وقافه، ومنه : القافة، يعنى : ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول أو فعل، كمن يتبع مسلكا لا يدرى أنه يوصله إلى مقصده فهو ضال. والمراد : النهى عن أن يقول الرجل ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم، ويدخل فيه النهى عن التقليد دخولا ظاهرا. لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساده. وعن ابن الحنفية : شهادة الزور وعن الحسن : لا تقف أخاك المسلم إذا مرّ بك، فتقول : هذا يفعل كذا، ورأيته يفعل، وسمعته، ولم تر ولو تسمع. وقيل : القفو شبيه بالعضيهة «١». ومنه الحديث «من قفى مؤمنا بما ليس فيه حبسه اللّه في ردغة الخبال «٢» حتى يأتى بالمخرج «٣»» وأنشد :
وَمِثْلُ الدُّمى شُمُّ الْعَرَانِينِ سَاكِنٌ بِهِنَّ الحَيَاءُ لَا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا «٤»
أى التقاذف. وقال الكميت :
وَلَا أرْمِى البَرِيَّ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَلَا أَقْفُو الحَوَاصِنَ إنْ قُفِينَا «٥»

__
(١). قوله «و قيل القفو شبيه بالعضيهة» في الصحاح العضيهة البهيتة، وهي الافك والبهتان. (ع)
(٢). قوله «حبسه اللّه في ردغة الخبال» في الصحاح الردغة - بالتحريك - : الماء والطين والوحل الشديد وكذلك الردغة بالتسكين. وفيه الخبال : العناء والفساد وأما الذي في الحديث من قفا مؤمنا بما ليس فيه وقفه اللّه تعالى في ردغة الخبال حتى يجيء بالمخرج منه، فيقال : هو صديد أهل النار.
(٣). لم أره بهذا اللفظ مرفوعا. وإنما ذكره أبو عبيد في الغريب من قول حسان بن عطية. فقال : حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعى عنه بهذا. وروى أحمد والطبراني من رواية معاذ بن أنس - رفعه «من قفا مؤمنا بما ليس فيه يريد شينه به حبسه اللّه على جسر جهنم حتى يخرج مما قال» وفي مسند الشاميين للطبراني من طريق مطر الوراق عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر «من قذف مؤمنا أو مؤمنة حبس في ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج، وهو عند أبى داود من رواية يحيى بن راشد عن ابن عمر بلفظ «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه اللّه ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج. وهو يخرج مما قال» وأخرجه الحاكم من حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رفعه «من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه اللّه في ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج».
(٤). يصف نساء بأنهن جميلات مثل الدمى، جمع دمية بالضم، وهو الصنم والصورة من العاج المرصعة بالجواهر والشم، جمع شماء كحمر وحمراء، والعرانين : الأنوف، أى مرتفعات الأنوف كناية عن شرفهن وارتفاع قدرهن.
أو كناية عن كونهن كرائم حرائر، لأن انخفاض الأنف خاص بالعبيد والماء. وشبههن بالبيوت. وشبه الحياء بقوم يسكنونها على طريق المكنية والسكنى تخييل لذلك، وهو كناية ومبالغة في ملازمة الحياء لهن، لا يشعن : أى لا يظهرن التقافى، أى المتابعة بالقذف، من قفوته إذا أتبعته بالغيبة. وفي إشاعته : كناية عن نفيه، لأنها لازمة له، حيث أنه لا يكون إلا بين اثنين فأكثر.
(٥). يقال : حصنت المرأة بالضم حصانة، فهي حاصن وحصناء وحصان. والحواصن : جمع حاصن : أى عفت فهي عفيفة، يقول : لا أتهم البريء بشيء زور، بل بذنب محقق. والظاهر أن هذا في معنى الاستثناء المنقطع، لأن البريء ما دام بريئا لا ذنب له، ولا أتبع العفائف وأتكلم فيهن بفحش ما دمن عفائف إن قفاهن الناس، فتكلموا فيهن فكيف إذا لم يتكلم فيهن أحد؟.


الصفحة التالية
Icon