قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ وغير ذلك، فجعله كأن قد كان ووجد، فقال : أحاط بالناس على عادته في إخباره، وحين تزاحف الفريقان يوم بدر والنبي صلى اللّه عليه وسلم في العريش مع أبى بكر رضى اللّه عنه كان يدعو ويقول :«اللهم إنى أسألك عهدك ووعدك» ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس ويقول «سيهزم الجمع ويولون الدبر» «١» ولعلّ اللّه تعالى أراه مصارعهم في منامه، فقد كان يقول حين ورد ماء بدر «و اللّه لكأنى أنظر إلى مصارع القوم» «٢» وهو يومئ إلى الأرض ويقول : هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان، فتسامعت قريش بما أوحى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أمر يوم بدر وما أرى في منامه من مصارعهم، فكانوا يضحكون ويستسخرون ويستعجلون به استهزاء وحين سمعوا بقوله :«إن شجرة الزقوم طعام الأثيم» «٣» جعلوها سخرية وقالوا : إن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة، ثم يقول ينبت فيها الشجر. وما قدر اللّه حق قدره من قال ذلك، وما أنكروا أن يجعل اللّه الشجرة من جنس لا تأكله النار! فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك تتخذ منه مناديل، إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار. وترى النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد الحمر كالجمر بإحماء النار فلا تضرها، ثم أقرب من ذلك أنه خلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها، فما أنكروا أن يخلق «٤» في النار شجرة لا تحرقها. والمعنى : أنّ الآيات إنما يرسل بها تخويفا للعباد، وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر. فما كان ما أَرَيْناكَ منه في منامك بعد الوحى إليك إِلَّا فِتْنَةً لهم حيث اتخذوه سخريا وخوّفوا بعذاب الآخرة وشجرة الزقوم فما أثر فيهم، ثم قال فيهم وَنُخَوِّفُهُمْ أى نخوفهم بمخاوف الدنيا والآخرة فَما يَزِيدُهُمْ التخويف إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً فكيف يخاف قوم هذه خالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات.
وقيل : الرؤيا هي الإسراء «٥»، وبه تعلق من يقول : كان الإسراء في

__
(١). لم أجده هكذا فأما أوله ففي البخاري عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر : اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك. اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم. فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبه. فخرج وهو يقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر» [.....]
(٢). أخرجه مسلم من حديث أنس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «هذا مصرع فلان ويضع يده على الأرض هاهنا. قال : فما ماط أحد عن موضع يده،
(٣). قال محمود :«افتتانهم بالشجرة أنهم حين سمعوا بقوله، إن شجرة الزقوم... الخ»
قال أحمد : والعمدة في ذلك أن النار لا تؤثر إحراقا في شيء، ولكن اللّه تعالى أجرى العادة أنه يخلق الحرق عند ملاقاة جسم النار لبعض الأجسام، فإذا كان ذلك من فعل اللّه لا من فعل النار فللّه تعالى أن لا يفعل الحرق في الشجرة التي في أصل الجحيم.
(٤). قوله «فما أنكروا أن يخلق» عبارة النسفي : فجاز أن يخلق. (ع)
(٥). عاد كلامه. قال :«و أما الرؤيا فقيل الاسراء، وتعلق من جعله مناما بهذه الآية. وقيل : إنما سماها رؤيا على زعم المكذبين... الخ» قال أحمد : ويبعد ذلك قوله تعالى طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ وقوله فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon