الركب والصحب. وقرئ : ورجلك، على أن فعلا بمعنى فاعل، نحو : تعب وتاعب. ومعناه : وجمعك الرجل، وتضم جيمه أيضا، فيكون مثل حدث وحدث، وندس وندس «١»، وأخوات لهما.
يقال : رجل رجل. وقرئ : ورجالك ورجالك. فإن قلت : ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله؟ قلت : هو كلام ورد مورد التمثيل، مثلت حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع على قوم فصوّت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم، وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم. وقيل : بصوته، بدعائه إلى الشر. وخيله ورجله :
كلّ راكب وماش من أهل العيث «٢». وقيل : يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال. وأما المشاركة في الأموال والأولاد فكل معصية يحملهم عليها في بابهما، كالربا والمكاسب المحرّمة، والبحيرة والسائبة، والإنفاق في الفسوق، والإسراف، ومنع الزكاة، والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام، ودعوى ولد بغير سبب، والتسمية بعبد العزى وعبد الحرث، والتهويد والتنصير، والحمل على الحرف الذميمة والأعمال المحظورة، وغير ذلك وَعِدْهُمْ المواعيد الكاذبة «٣»، من شفاعة الآلهة والكرامة على اللّه بالأنساب الشريفة، وتسويف التوبة ومغفرة الذنوب بدونها، والاتكال على الرحمة، وشفاعة الرسول في الكبائر والخروج من النار بعد أن يصيروا حمما «٤»، وإيثار العاجل على الآجل إِنَّ عِبادِي يريد الصالحين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أى لا تقدر أن تغويهم وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك، ونحوه قوله إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فإن قلت : كيف جاز أن يأمر اللّه إبليس بأن يتسلط على عباده مغويا مضلا، داعيا إلى الشر، صادّا عن الخير؟ قلت : هو من الأوامر الواردة على سبيل الخذلان والتخلية، كما قال للعصاة : اعملوا ما شئتم.

__
(١). قوله «مثل حدث وحدث، وندس وندس» في الصحاح : رجل حدث وحدث، بضم الدال وكسرها أى حسن الحديث. وفيه : رجل ندس وندس، أى : فهم. (ع)
(٢). قوله «العيث» في الصحاح «العيث» الإفساد. (ع)
(٣). قال محمود :«المراد وعدهم المواعيد الكاذبة... الخ» قال أحمد : وهذا من تجرى المصنف على السنة ومتبعيها، فانه جعل المغفرة المقرونة بالمشيئة وإن لم تكن توبة للمؤمنين من مواعيد الشيطان، مع العلم بأنها ثابتة بقواطع القرآن وعدا من الرحمن، وكذلك الشفاعة المتفق عليها بين أهل السنة والجماعة التي وعد بها الصادق المصدوق، وميزه اللّه تعالى بها على كل مخلوق، من مواعيد الشيطان الباطلة وأمانيه الماحلة. اللهم ارزقنا الشفاعة، واحشرنا في زمرة السنة والجماعة.
(٤). قوله «بعد أن يصيروا حمما» في الصحاح : الحمم : الرماد والفحم : الواحدة حممة، ثم ما أفاده من توقف المغفرة على التوبة وعدم الشفاعة في الكبائر، وعدم خروج أهلها من النار بعد احتراقهم هو مذهب المعتزلة. وأهل السنة على خلاف ذلك، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)


الصفحة التالية
Icon