وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء، كقوله وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً، فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٢]
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢)
معناه : ومن كان في الدنيا أعمى، فهو في الآخرة أعمى كذلك وَأَضَلُّ سَبِيلًا من الأعمى. والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته، لمن لا يهتدى إلى طريق النجاة : أما في الدنيا فلفقد النظر. وأما في الآخرة، فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه، وقد جوزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل «١». ومن ثم قرأ أبو عمرو الأوّل مما لا، والثاني مفخما «٢»، لأن أفعل التفضيل تمامه بمن، فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلام «٣»، كقولك : أعمالكم وأما الأوّل فلم يتعلق به شيء، فكانت ألفه واقعة في الطرف معرضة للإمالة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٣ إلى ٧٥]
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)
روى أنّ ثقيفا قالت للنبي صلى اللّه عليه وسلم : لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب : لا نعشر، ولا نحشر، ولا نجبى «٤» في صلاتنا، وكل ربا لنا فهو لنا، وكل ربا علينا فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، ولا نكسرها بأيدينا عند رأس الحول، وأن تمنع من قصد وادينا وجّ فعضد شجره، فإذا سألتك العرب : لم فعلت ذلك؟ فقل : إن اللّه أمرنى

__
(١). عاد كلامه. قال :«و قد جوزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل... الخ» قال أحمد : أى لأنه من عمى القلب لا من عمي البصر، فجاز أن ينبنى منه أفعل.
(٢). عاد كلامه. قال :«و من ثم أمال أبو عمرو الأولى وفخم الثانية... الخ» قال أحمد : يحتمل أن تكون هذه الآية قسيمة الأولى، أى : فمن أوتى كتابه بيمينه فهو الذي يبصره ويقرؤه، ومن كان في الدنيا أعمى غير مبصر في نفسه ولا ناظر في معاده، فهو في الآخرة كذلك غير مبصر في كتابه، بل أعمى عنه أو أشد عمى مما كان في الدنيا على اختلاف التأويلين، واللّه أعلم.
(٣). قوله «الواقعة في وسط الكلام» لعله الكلمة، كعبارة النسفي. (ع)
(٤). قوله «لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى» في الصحاح «التجبية» أن يقوم الإنسان قيام الراكع. وقال أبو عبيدة : تكون في حالين، أحدهما : أن يضع يديه على ركبتيه، والآخر ينكب على وجهه باركا وهو السجود، وفيه «وجّ» بلد الطائف : وفيه أيضا : عضدت الشجر، أى قطعته. (ع)


الصفحة التالية
Icon