وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف. ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل : ضعف الحياة وضعف الممات، كما لو قيل : لأذقناك أليم الحياة وأليم الممات. ويجوز أن يراد بضعف الحياة :
عذاب الحياة الدنيا، وبضعف الممات : ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار. والمعنى :
لضاعفنا لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا، وما نؤخره لما بعد الموت. وفي ذكر الكيدودة وتقليلها، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين - دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته، ومن ثم استعظم مشايخ العدل والتوحيد «١» رضوان اللّه عليهم نسبة المجبرة القبائح إلى اللّه - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - وفيه دليل على أن أدنى مداهنة للغواة مضادة للّه وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله.
فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآية أن يجثو عندها ويتدبرها، فهي جديرة بالتدبر، وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب في دين اللّه. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنها لما نزلت كان يقول :«اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» «٢»
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٦ إلى ٧٧]
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧)
وَإِنْ كادُوا وإن كاد أهل مكة لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم مِنَ الْأَرْضِ من أرض مكة وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ لا يبقون بعد إخراجك إِلَّا زمانا قَلِيلًا فإن اللّه مهلكهم وكان كما قال، فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل. وقيل : معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم. ولم يخرجوه، بل هاجر بأمر ربه. وقيل : من أرض العرب. وقيل : من أرض المدينة، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم، فاجتمعوا إليه وقالوا : يا أبا القاسم، إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام وهي بلاد مقدّسة وكانت مهاجر إبراهيم، فلو خرجت إلى الشام لآمنا بك واتبعناك، وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم، فإن كنت رسول اللّه فاللّه مانعك منهم، فعسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أميال من المدينة وقيل بذي الحليفة، حتى يجتمع إليه

__
(١). قوله «و من ثم استعظم مشايخ العدل» يعنى المعتزلة. ويريد بالمجبرة : أهل السنة، حيث قالوا : إن الخير والشر كلاهما من عند اللّه بخلقه وإرادته، ولو كان من فعل العبد ظاهرا. (ع)
(٢). لم أجده، وذكره الثعلبي عن قتادة مرسلا [.....]


الصفحة التالية
Icon