على فراقهم. وقرئ : باخع نفسك، على الأصل، وعلى الإضافة : أى قاتلها ومهلكها، وهو للاستقبال فيمن قرأ : إن لم يؤمنوا. وللمضى فيمن قرأ : أن لم يؤمنوا، بمعنى : لأن لم يؤمنوا بِهذَا الْحَدِيثِ بالقرآن أَسَفاً مفعول له، أى : لفرط الحزن. ويجوز أن يكون حالا.
والأسف : المبالغة في الحزن والغضب. يقال : رجل أسف وأسيف.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧ إلى ١١]
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)
ما عَلَى الْأَرْضِ يعنى ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وحسن العمل : الزهد فيها وترك الاغترار بها، ثم زهد في الميل إليها بقوله وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها من هذه الزينة صَعِيداً جُرُزاً يعنى مثل أرض بيضاء لا نبات فيها، بعد أن كانت خضراء معشبة، في إزالة بهجته، وإماطة حسنه، وإبطال ما به كان زينة : من إماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار، ونحو ذلك ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض مما خلق «١» فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كله كأن لم يكن، ثم قال أَمْ حَسِبْتَ يعنى أن ذلك أعظم من قصة أصحاب الكهف وإبقاء حياتهم مدّة طويلة. والكهف : الغار الواسع في الجبل وَالرَّقِيمِ اسم كلهم. قال أمية ابن أبى الصلت :
وليس بها إلّا الرّقيم مجاورا وصيدهم والقوم في الكهف همّد «٢»
وقيل : هو لوح من رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. وقيل : إن الناس رقموا حديثهم نقرا في الجبل. وقيل : هو الوادي الذي فيه الكهف. وقيل : الجبل. وقيل :
(١). قوله «مما خلق» لعله بما «خلق». (ع)
(٢). لأمية بن أبى الصلت، والرقيم : كلب أصحاب الكهف. والوصيد : فناء البيت وبابه وعتبته، والبيت يحتملها. والهمد : جمع هامد، أى : راقد. والقوم : عطف على الرقيم. ويقول : ليس في تلك الصحراء إلا الكلب حال كونه مجاورا لفناء غارهم، وإلا القوم حال كونهم رقودا في الكهف : أى الغار.