على دينهم، ودخلوا الكهف فكانوا يعبدون اللّه فيه، ثم ضرب اللّه على آذانهم، وقيل أن يبعثهم اللّه ملك مدينتهم رجل صالح مؤمن. وقد اختلف أهل مملكته في البعث معترفين وجاحدين، فدخل الملك بيته وأغلق بابه ولبس مسحا وجلس على رماد، وسأل ربه أن يبين لهم الحق، فألقى اللّه في نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سدّ به فم الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه، ولما دخل المدينة من بعثوه لابتياع الطعام وأخرج الورق وكان من ضرب دقيانوس :
اتهموه بأنه وجد كنزا، فذهبوا به إلى الملك فقصّ عليه القصة، فانطلق الملك وأهل المدينة معه وأبصروهم، وحمدوا اللّه على الآية الدالة على البعث، ثم قالت الفتية للملك : نستودعك اللّه ونعيذك به من شرّ الجنّ والإنس، ثم رجعوا إلى مضاجعهم وتوفى اللّه أنفسهم، فألقى الملك عليهم ثيابه، وأمر فجعل لكل واحد تابوت من ذهب، فرآهم في المنام كارهين للذهب، فجعلها من الساج، وبنى على باب الكهف مسجدا. رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ من كلام المتنازعين، كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم، فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك قالوا : ربهم أعلم بهم. أو هو من كلام اللّه عز وجل ردّ لقول الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين، أو من الذين تنازعوا فيهم على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٢]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)
سَيَقُولُونَ الضمير لمن خاض في قصتهم في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب والمؤمنين، سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنهم فأخر الجواب إلى أن يوحى إليه فيهم، فنزلت إخبارا بما سيجرى بينهم من اختلافهم في عددهم، وأنّ المصيب منهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم. قال ابن عباس رضى اللّه عنه : أنا من أولئك القليل. وروى أن السيد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقال السيد وكان يعقوبيا : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وقال العاقب وكان نسطوريا :
كانوا خمسة سادسهم كلبهم. وقال المسلمون : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، فحقق اللّه قول المسلمين.
وإنما عرفوا ذلك بإخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن لسان جبريل عليه السلام. وعن علىّ رضى اللّه عنه : هم سبعة نفر أسماؤهم : يمليخا، ومكشليتيا، ومشلينيا : هؤلاء أصحاب يمين الملك، وكان عن يساره : مرنوش، ودبرنوش، وشادنوش. وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره.