الولاية للّه، كقوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ. وقرئ «الحق» بالرفع والجرّ صفة للولاية واللّه «١».
وقرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد، كقولك : هذا عبد اللّه الحق لا الباطل، وهي قراءة حسنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم. وقرئ عُقْباً بضم القاف وسكونها، وعقبى على فعلى، وكلها بمعنى العاقبة.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٥]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا. وقيل : نجع في النبات الماء فاختلط به حتى روى ورف «٢» رفيفا، وكان حق اللفظ على هذا التفسير :
فاختلط بنبات الأرض. ووجه صحته أن كل مختلطين موصوف كل واحد منهما بصفة صاحبه.
والهشيم : ما تهشم وتحطم، الواحدة هشيمة. وقرئ : تذروه الريح. وعن ابن عباس : تذريه الرياح، من أذرى : شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء، بحال النبات يكون أخضر وارفا «٣» ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإنشاء والإفناء مُقْتَدِراً.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٦]
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان وتفنى عنه كل ما تطمح إليه نفسه من حظوظ الدنيا. وقيل هي الصلوات الخمس. وقيل : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر. وعن قتادة : كل ما أريد به وجه اللّه خَيْرٌ ثَواباً أى ما يتعلق بها من
(١). قال محمود :«قرئ بالرفع والجر صفة الولاية واللّه تعالى... الخ» قال أحمد : وقد تقدم الإنكار عليه في مثل هذا القول فانه يوهم أن القراآت موكولة إلى رأى الفصحاء واجتهاد البلغاء، فتتفاوت في الفصاحة لتفاوتهم فيها، وهذا منكر شنيع. والحق : أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ إلا بما سمعه فوعاه متصلا بفلق إليه صلى اللّه عليه وسلم منزلا كذلك من السماء، فلا وقع لفصاحة الفصيح، وإنما هو ناقل كغيره، ولكن الزمخشري لا يفوته الثناء على رأس البدعة ومعدن الفتنة، فان عمرو بن عبيد أول مصمم على إنكار القدر وهلم جرا إلى سائر البدع الاعتزالية، فمن ثم أثنى عليه.
(٢). قوله «و رف رفيفا «في الصحاح : رف لونه رفا ورفيفا : برق وتلألأ. وشجر رفيف : إذا تندت أوراقه. (ع)
(٣). قوله «بحال النبات يكون أخضر وارفا» في الصحاح : ورف النبت، أى : اهتز من نضارته، فهو وارف، أى : ناضر رفاف شديد الخضرة. (ع)