الفاحشة : ما تبالغ في قبحه من الذنوب، أى : إذا فعلوها اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم وبأنّ اللّه تعالى أمرهم بأن يفعلوها. وكلاهما باطل من العذر «١» لأن أحدهما تقليد والتقليد ليس بطريق العلم. والثاني افتراء على اللّه وإلحاد في صفاته، كانوا يقولون : لو كره اللّه منا ما نفعله لنقلنا عنه. وعن الحسن : إن اللّه تعالى بعث محمداً صلى اللّه عليه وسلم إلى العرب وهم قدرية مجبرة «٢» يحملون ذنوبهم على اللّه. وتصديقه قول اللّه تعالى وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ لأنّ فعل القبيح مستحيل عليه «٣» لعدم الداعي ووجود الصارف، فكيف يأمر بفعله أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ إنكار لإضافتهم القبيح إليه وشهادة على أن مبنى قولهم على الجهل المفرط.
وقيل : المراد بالفاحشة : طوافهم بالبيت عراة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٩]
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)
بِالْقِسْطِ بالعدل وبما قام في النفوس أنه مستقيم حسن عند كل مميز. وقيل : بالتوحيد وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ وقل : أقيموا وجوهكم أى اقصدوا عبادته مستقيمين إليها غير عادلين إلى غيرها عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود وهو الصلاة وَادْعُوهُ واعبدوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أى الطاعة، مبتغين بها وجه اللّه خالصاً كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ كما أنشأكم ابتداء يعيدكم، احتجّ عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق، والمعنى :
أنه يعيدكم فيجازيكم على أعمالكم، فأخلصوا له العبادة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٠]
فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)

__
(١). قال محمود :«و كلاهما باطل من العذر لأن أحدهما... الخ» قال أحمد : وهذا أيضا من الاعتزال الخفي، وغرضه أن يمهد قاعدة التحسين والتقبيح، ومراعاة الصلاح والأصلح، واستحالة مخالفة ذلك على اللّه تعالى «و لا يتم من ذلك غرض، لأن المنكر عليهم : دعواهم أن اللّه تعالى أمرهم بالفحشاء، وهم كاذبون في هذه الدعوى، ولا يلزم من سلب الأمر الارادة، لأن اللّه تعالى يأمر بما لا يريد، ويريد ما لا يأمر به.
(٢). قوله «و هم قدرية مجبرة»
أى كالمجبرة يعنى أهل السنة، لقولهم : إن اللّه يريد الشر كالخير، والارادة هي الأمر عند المعتزلة، لكنها غيره عند أهل السنة، فالفحشاء بإرادته تعالى، لكنه لا يأمر بها. وتحقيقه في التوحيد.
(٣). قوله «فعل القبيح مستحيل عليه» يريد أن اللّه لا يريد فعل القبيح وهي عقيدة المعتزلة. أما عند أهل السنة فاللّه يريد القبيح والحسن «ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن» (ع)


الصفحة التالية
Icon