[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٢]
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)فإن قلت : ما منعك من الرفع على البدل؟ قلت : لأنّ «لو» بمنزلة «إن» في أنّ الكلام معه موجب، والبدل لا يسوّغ إلا في الكلام غير الموجب، كقوله تعالى وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ وذلك لأنّ أعم العامّ يصح نفيه ولا يصح إيجابه. والمعنى : لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما لفسدتا. وفيه دلالة على أمرين، أحدهما :
وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحدا. والثاني : أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده، لقوله إِلَّا اللَّهُ. فإن قلت : لم وجب الأمران؟ قلت : لعلمنا أنّ الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف. وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو ابن سعيد الأشدق : كان واللّه أعزّ علىّ من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول «١» وهذا ظاهر. وأمّا طريقة التمانع فللمتكلمين فيها تجاول وطراد، ولأنّ هذه الأفعال محتاجة إلى تلك الذات المتميزة بتلك الصفات حتى تثبت وتستقرّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٣]
لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)
إذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم، تهيبا وإجلالا، مع جواز الخطإ والزلل وأنواع الفساد عليهم - كان ملك الملوك وربّ الأرباب خالقهم ورازقهم أولى بأن لا يسئل عن أفعاله، مع ما علم واستقرّ في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بدواعى الحكمة، ولا يجوز عليه الخطأ «٢» ولا فعل القبائح «٣»
__
(١). قوله «لا يجتمع فحلان في شول» في الصحاح «الشول» النوق التي خف لبنها وارتفع ضرعها. (ع)
(٢). قال محمود :«لما بين تعالى أنه رب الأرباب وخالقهم ومالكهم، ناسب هذا التنبيه على ما يجب له تعالى علي خلقه من الإجلال والإعظام، فان آحاد الملوك تمنع مهابته أن يسئل عن فعل فعله، فما ظنك بخالق الملوك وربهم. ثم إن آحاد الملوك يجوز عليهم الخطأ والزلل وقد استقر في العقول أن أفعال اللّه تعالى كلها مفعول بدواعى الحكمة، ولا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح» قال أحمد : سحقا لها من لفظة ما أسوأ أدبها مع اللّه تعالى، أعنى قوله :
دواعي الحكمة، فان الدواعي والصوارف إنما تستعمل في حق المحدثين، كقولك : هو مما توفر دواعي الناس إليه أو صوارفهم عنه. وقوله «لا يجوز عليه فعل القبائح» قلت : وهذا من الطراز الأول، ولو أنه في الذيل :
فقد نسيت وما بالعهد من قدم
وبعد ما انقضى دليل التوحيد وإبطال الشرك من سمعك أيها الزمخشري، وقلمك رطب بتقريره، فلم نكصت وانتكست؟ أتقول إن أحدا شريك للّه في ملكه يفعل ما يشاء من الأفعال التي تسميها قبائح فتنفيها عن قدرة اللّه تعالى وإرادته. وما الفرق بين من يشرك للّه ملكا من الملائكة، وبين من يشرك نفسه بربه حتى يقول : إنه يفعل ويخلق لنفسه شاء اللّه أو لم يشأ، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا. والقدرية ارتضوا لأنفسهم شر شرك، لأن غيرهم أشرك بالملائكة، وهم أشركوا بنفوسهم وبالشياطين والجن وجميع الحيوانات، نعوذ بمالك الملك من مسالك الهلك.
(٣). قوله «و لا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فهو الفاعل للخير والشر، كما بين في علم التوحيد. (ع)
(١). قوله «لا يجتمع فحلان في شول» في الصحاح «الشول» النوق التي خف لبنها وارتفع ضرعها. (ع)
(٢). قال محمود :«لما بين تعالى أنه رب الأرباب وخالقهم ومالكهم، ناسب هذا التنبيه على ما يجب له تعالى علي خلقه من الإجلال والإعظام، فان آحاد الملوك تمنع مهابته أن يسئل عن فعل فعله، فما ظنك بخالق الملوك وربهم. ثم إن آحاد الملوك يجوز عليهم الخطأ والزلل وقد استقر في العقول أن أفعال اللّه تعالى كلها مفعول بدواعى الحكمة، ولا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح» قال أحمد : سحقا لها من لفظة ما أسوأ أدبها مع اللّه تعالى، أعنى قوله :
دواعي الحكمة، فان الدواعي والصوارف إنما تستعمل في حق المحدثين، كقولك : هو مما توفر دواعي الناس إليه أو صوارفهم عنه. وقوله «لا يجوز عليه فعل القبائح» قلت : وهذا من الطراز الأول، ولو أنه في الذيل :
فقد نسيت وما بالعهد من قدم
وبعد ما انقضى دليل التوحيد وإبطال الشرك من سمعك أيها الزمخشري، وقلمك رطب بتقريره، فلم نكصت وانتكست؟ أتقول إن أحدا شريك للّه في ملكه يفعل ما يشاء من الأفعال التي تسميها قبائح فتنفيها عن قدرة اللّه تعالى وإرادته. وما الفرق بين من يشرك للّه ملكا من الملائكة، وبين من يشرك نفسه بربه حتى يقول : إنه يفعل ويخلق لنفسه شاء اللّه أو لم يشأ، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا. والقدرية ارتضوا لأنفسهم شر شرك، لأن غيرهم أشرك بالملائكة، وهم أشركوا بنفوسهم وبالشياطين والجن وجميع الحيوانات، نعوذ بمالك الملك من مسالك الهلك.
(٣). قوله «و لا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فهو الفاعل للخير والشر، كما بين في علم التوحيد. (ع)