[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٤٧]

وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)
وصفت الْمَوازِينَ بالقسط وهو العدل، مبالغة، كأنها في أنفسها قسط. أو على حذف المضاف، أى : ذوات القسط. واللام في لِيَوْمِ الْقِيامَةِ مثلها في قولك : جئته لخمس ليال خلون من الشهر. ومنه بيت النابغة :
ترسّمت آيات لها فعرفتها لسنّة أعوام وذا العام سابع «١»
وقيل : لأهل يوم القيامة، أى لأجلهم. فإن قلت : ما المراد بوضع الموازين؟ قلت : فيه قولان، أحدهما : إرصاد الحساب السوىّ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والنصفة، من غير أن يظلم عباده مثقال ذرّة، فمثل ذلك بوضع الموازين لتوزن بها الموزونات. والثاني : أنه يضع الموازين الحقيقية ويزن بها الأعمال. عن الحسن : هو ميزان له كفتان ولسان. ويروى : أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان، فلما رآه غشى عليه، ثم أفاق فقال : يا إلهى من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات، فقال : يا داود، إنى إذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة.
فإن قلت : كيف توزن الأعمال وإنما هي أعراض؟ قلت : فيه قولان، أحدهما : توزن صحائف الأعمال. والثاني : تجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة. وقرئ مِثْقالَ حَبَّةٍ على «كان» التامة، كقوله تعالى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ.
وقرأ ابن عباس ومجاهد : أَتَيْنا بِها وهي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة، لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء. وقرأ حميد : أثبنا بها، من الثواب. وفي حرف أبىّ : جئنا بها.
وأنث ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة، كقولهم : ذهبت بعض أصابعه، أى : آتيناهما.
__
(١) عفا قسم من فرتنا فالفوارع فجنبا أريك فالتلاع الدواقع
توسمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع
للنابغة. وعفا : بلى وخلا. وفرتنا اسم محبوبته. وقسم، والفوارع، وأريك : أسماء مواضع. والتلاع : المواضع المرتفعة. والدواقع - بالقاف - : المقفرة كثيرة التراب. ودقع الرجل دقعا، كتعب، إذا التصق بالدقعاء وهي الأرض الكثيرة التراب من شدة فقره. وأما بالفاء فهي التي يدفع فيها السيل بكثرة. وتوسمت بالواو تتبعت سمانها وعلاماتها فعرفتها بها. ويروى بالراء، أى : تتبعت رسومها وآثارها فعرفتها، أى : تلك المواضع السابقة.
وقوله «لستة أعوام» أى مستقبلا تمام ستة أعوام مضت من عهدها، وهذا العام الحاضر الذي نحن فيه هو السابع.
ولو قال : لسبعة أعوام، لأفاد أن السبعة كلها مضت وليس مرادا. فقول بعضهم : إنه كان يكفيه أن يقول :
لسبعة أعوام، فعجز عن إتمامه، وكمله بما لا معنى له، لا وجه له إلا عدم التبصر.


الصفحة التالية
Icon