عليه السلام يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً ويحكى. ما أحرقت منه إلا وثاقه. وقال له جبريل عليه السلام حين رمى به : هل لك حاجة؟ فقال : أما إليك فلا. قال : فسل ربك. قال : حسبي من سؤالى علمه بحالي. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه : إنما نجا بقوله : حسبي اللّه ونعم الوكيل، وأطل عليه نمروذ من الصرح فإذا هو في روضة ومعه جليس له من الملائكة، فقال : إنى مقرّب إلى إلهك، فذبح أربعة آلاف بقرة وكفّ عن إبراهيم، وكان إبراهيم صلوات اللّه وسلامه عليه إذ ذاك ابن ست عشرة سنة. واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه، ولذلك جاء :«لا يعذب بالنار إلا خالقها» «١» ومن ثم قالوا إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أى إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا، فاختاروا له أهول المعاقبات وهي الإحراق بالنار، وإلا فرّطتم في نصرتها. ولهذا عظموا النار وتكلفوا في تشهير أمرها وتفخيم شأنها، ولم يألوا جهدا في ذلك. جعلت النار لمطاوعتها فعل اللّه وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله. والمعنى : ذات برد وسلام، فبولغ في ذلك. كأن ذاتها برد وسلام. والمراد : ابردى فيسلم منك إبراهيم.
أو ابردى بردا غير ضارّ. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه : لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها. فإن قلت : كيف بردت النار وهي نار؟ قلت : نزع اللّه عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق، وأبقاها على الإضاءة والاشتعال كما كانت، واللّه على كل شيء قدير. ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه السلام أذى حرّها ويذيقه فيها عكس ذلك، كما يفعل بخزنة جهنم، ويدل عليه قوله عَلى إِبْراهِيمَ وأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين غالبوه بالجدال فغلبه اللّه ولقنه بالمبكت، وفزعوا إلى القوّة والجبروت، فنصره وقوّاه.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٧١]
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١)
نجيا من العراق إلى الشام. وبركاته الواصلة إلى العالمين : أن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم وآثارهم الدينية وهي البركات الحقيقية. وقيل : بارك اللّه فيه بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب وطيب عيش الغنىّ والفقير. وعن سفيان أنه خرج إلى الشام فقيل له : إلى أين؟ فقال : إلى بلد يملأ فيه الجراب بدرهم. وقيل : ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس «٢». وروى أنه نزل بفلسطين، ولوط بالمؤتفكة
(١). وفي أبى داود :«إلا رب النار».
(٢). قلت : جاء مرفوعا عن أبى بن كعب. أخرجه الطبري عن الحسين عن الفضيل بن موسى عن الحسين بن واقد عن الربيع بن أنس عن أبى العالية عن أبى بن كعب في قوله «و نجيناه ولوطا - الآية» قال : الشام، وما من ماء عذب إلا يخرج من تلك الصخرة التي ببيت المقدس وأخرجه ابن أبى حاتم عن على بن الحسين بن الجنيد عن أبى عمار أخرجه أيضا من رواية محمد بن سعد بن سابق عن أبى جعفر الرازي عن الربيع عن أبى العالية مقطوعا لم يذكر أبى بن كعب، بلفظ «هي الأرض المقدسة بارك اللّه فيها للعالمين» ولم يذكر الصخرة. وأخرجه عبد بن حميد عن أبى النضر عن أبى جعفر كذلك. وزاد «لأن كل ماء عذب في الأرض منها يخرج من أصل صخرة بيت المقدس، يهبط من السماء إلى الصخرة ثم يتفرق في الأرض» وأخرجه أبو سعيد النقاش في فوائده من وجه آخر عن الربيع عن أبى العالية. وأخرجه أبو سعيد عبد بن حميد عن أبى النضر نحوه بتمامه وأخرجه الخطيب أبو بكر محمد بن أحمد ابن محمد المقدسي المعروف بابن الواسطي في كتاب فضل بيت المقدس من طريق آدم ابن أبى إياس عن أبى جعفر الرازي، بلفظ في قوله تعالى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها قال : من بركتها أن كل ماء عذب يخرج من أصل صخرة بيت المقدس. وأخرج الخطيب المذكور من طريق غالب بن عبد اللّه عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة رفعه «الأنهار كلها والسحاب والبحار والرياح من تحت صخرة بيت المقدس» وغالب متروك.