[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨١ إلى ٨٢]
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)قرئ : الريح. والرياح، بالرفع والنصب فيهما، فالرفع على الابتداء، والنصب على العطف على الجبال. فإن قلت : وصفت هذه الرياح بالعصف تارة وبالرخاوة أخرى، فما التوفيق بينهما؟ «١» قلت : كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة، على ما قال غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ فكان جمعها بين الأمرين أن تكون رخاء في نفسها وعاصفة في عملها، مع طاعتها لسليمان وهبوبها على حسب ما يريد ويحتكم : آية إلى آية ومعجزة إلى معجزة. وقيل كانت في وقت رخاء، وفي وقت عاصفا، لهبوبها على حكم إرادته، وقد أحاط علمنا بكل شيء فنجري الأشياء كلها على ما يقتضيه علمنا وحكمتنا.
أى : يغوصون له في البحار فيستخرجون الجواهر، ويتجاوزون ذلك إلى الأعمال والمهن وبناء المدائن والقصور واختراع الصنائع العجيبة، كما قال يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ واللّه حافظهم أن يزيغوا عن أمره، أو يبدلوا أو يغيروا، أو يوجد منهم فساد في الجملة فيما هم مسخرون فيه.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٣ إلى ٨٤]
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
أى : ناداه بأنى مسنى الضر. وقرئ : إنى، بالكسر على إضمار القول أو لتضمن النداء معناه والضر - بالفتح - : الضرر في كل شيء، وبالضم : الضرر في النفس من مرض وهزال، فرق بين البناءين لافتراق المعنيين. ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب. ويحكى أنّ عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت :
يا أمير المؤمنين، مشت جرذان «٢» بيتي على العصىّ! فقال لها : ألطفت في السؤال، لا جرم
__
(١). قال محمود :«إن قلت قد وصفت هذه الريح بأنها رخاء وبأنها عاصف فما وجه ذلك؟ قلت : ما هي إلا جمعتهما وكانت في نفسها رخاء طيبة وفي سرعة حركتها كالعاصف» قال أحمد : وهذا كما ورد وصف عصا موسى تارة بأنها جان وتارة بأنها ثعبان، والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم الجافي منها. ووجه ذلك أنها جمعت الوصفين، فكانت في خفتها وفي سرعة حركتها كالجان، وكانت في عظم خلقها كالثعبان، ففي كل واحد من الريح والعصا على هذا التقرير معجزتان واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
(٢). قوله «جرذان بيتي» في الصحاح «الجرذ» ضرب من الفأر. والجمع جرذان. (ع)
(١). قال محمود :«إن قلت قد وصفت هذه الريح بأنها رخاء وبأنها عاصف فما وجه ذلك؟ قلت : ما هي إلا جمعتهما وكانت في نفسها رخاء طيبة وفي سرعة حركتها كالعاصف» قال أحمد : وهذا كما ورد وصف عصا موسى تارة بأنها جان وتارة بأنها ثعبان، والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم الجافي منها. ووجه ذلك أنها جمعت الوصفين، فكانت في خفتها وفي سرعة حركتها كالجان، وكانت في عظم خلقها كالثعبان، ففي كل واحد من الريح والعصا على هذا التقرير معجزتان واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
(٢). قوله «جرذان بيتي» في الصحاح «الجرذ» ضرب من الفأر. والجمع جرذان. (ع)