عقولهم وطير تمييزهم وردّهم في نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه. وقيل وتراهم سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب. فإن قلت : لم قيل أوّلا : ترون، ثم قيل : ترى، على الإفراد؟ قلت : لأنّ الرؤية أوّلا علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعا رائين لها، وهي معلقة أخيرا بكون الناس على حال السكر، فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣ إلى ٤]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤)
قيل : نزلت في النضر بن الحرث، وكان جدلا يقول : الملائكة بنات اللّه، والقرآن أساطير الأولين، واللّه غير قادر على إحياء من بلى وصار ترابا. وهي عامة في كل من تعاطى الجدال فيما يجوز على اللّه وما لا يجوز من الصفات والأفعال، ولا يرجع إلى علم ولا يعضّ فيه بضرس قاطع، وليس فيه اتباع للبرهان ولا نزول على النصفة، فهو يخبط خبط عشواء، غير فارق بين الحق والباطل وَيَتَّبِعُ في ذلك خطوات كُلَّ شَيْطانٍ عات، علم من حاله وظهر وتبين أنه من جعله وليا له لم تثمر له ولايته إلا الإضلال عن طريق الجنة والهداية إلى النار. وما أرى رؤساء أهل الأهواء «١» والبدع والحشوية المتلقبين بالإمامة في دين اللّه إلا داخلين تحت كل هذا دخولا أوليا، بل هم أشدّ الشياطين إضلالا وأقطعهم لطريق الحق، حيث دوّنوا الضلال تدوينا ولقنوه أشياعهم تلقينا، وكأنهم ساطوه بلحومهم «٢» ودمائهم، وإياهم عنى من قال :
ويا ربّ مقفوّ الخطا بين قومه طريق نجاة عندهم مستو نهج
ولو قرءوا في الّلوح ما خطّ فيه من بيان اعوجاج في طريقته عجّوا «٣»
اللهم ثبتنا على المعتقد الصحيح الذي رضيته لملائكتك في سمواتك، وأنبيائك في أرضك، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. والكتبة عليه مثل، أى : كأنما كتب إضلال من يتولاه عليه ورقم به لظهور ذلك في حاله. وقرئ : أنه، فأنه بالفتح والكسر، فمن فتح فلأن الأول فاعل كتب، والثاني
(١). قوله «رؤساء أهل الأهواء» إن كان مراده أهل السنة كما هو عادته في الكتابة من التشنيع عليهم، فينبغي مطالبته بالفرق بينهم وبين المعتزلة، حتى استحقوا التشنيع دونهم. (ع)
(٢). قوله «و كأنهم ساطوه بلحومهم» أى خلطوه. (ع)
(٣). يا : للتنبيه أو للنداء. والمنادى محذوف. والمقفو : المتبوع. والخطا : جمع خطوة، مستعارة للأفعال يجامع التبعية في كل، وكذلك الطريق مستعار للقفو من حيث اتباعه فيها ودوامه عليها. مستو : مستقيم. والنهج والمنهج والمنهاج : الطريق الواضح. والاعوجاج مستعار للبس وللكذب. وعجوا : ضجوا وصاحوا.