الحج على العبادات كلها، لما شاهد من تلك الخصائص. وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم اللّه، لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا. وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلى فيما يتقرّب به إلى اللّه أن يذكر اسمه، وقد حسن الكلام تحسينا بينا : أن جمع بين قوله لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وقوله : عَلى ما رَزَقَهُمْ ولو قيل : لينحروا في أيام معلومات بهيمة الأنعام، لم تر شيئا من ذلك الحسن والروعة. الأيام المعلومات : أيام العشر عند أبى حنيفة، وهو قول الحسن وقتادة. وعند صاحبيه : أيام النحر. البهيمة : مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، فبينت بالأنعام : وهي الإبل والبقر والضأن والمعز. الأمر بالأكل منها أمر إباحة، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكهم، ويجوز أن يكون ندبا لما فيه من مساواة الفقراء ومواساتهم ومن استعمال التواضع. ومن ثمة استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث. وعن ابن مسعود أنه بعث بهدى وقال فيه : إذا نحرته فكل وتصدّق وابعث منه إلى عتبة، يعنى ابنه «١». وفي الحديث «٢» :«كلوا وادخروا وائتجروا» «٣» الْبائِسَ الذي أصابه بؤس أى شدة : والْفَقِيرَ الذي أضعفه الإعسار.
[سورة الحج (٢٢) : آية ٢٩]
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)
قضاء التفث : قص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد، والتفث : الوسخ، فالمراد قضاء إزالة التفث. وقرئ : وليوفوا، بتشديد الفاء نُذُورَهُمْ مواجب حجهم، أو ما عسى ينذرونه من أعمال البر في حجهم وَلْيَطَّوَّفُوا طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج، ويقع به تمام التحلل. وقيل : طواف الصدر، وهو طواف الوداع الْعَتِيقِ القديم، لأنه أول بيت وضع للناس عن الحسن. وعن قتادة : أعتق من الجبابرة، كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه اللّه. وعن مجاهد : لم يملك قط. وعنه : أعتق من الغرق. وقيل :
(١). أخرجه الطبري من رواية حبيب بن أبى ثابت عن إبراهيم عن علقمة - أن عبد اللّه بعث معه بهدى. فقال :
كل أنت وأصحابك ثلثا وتصدق بثلث وابعث إلى أخى عتبة بثلث «تنبيه» وقع في نسخ الكشاف يعنى ابنه وهو تحريف وإنما هو أخوه.
(٢). أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وإسحاق من رواية خالد الحذاء عن أبى المليح عن عتبة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «إنا كنا نهيناكم عن لحوم الأضاحى ألا تأكلوها فوق ثلاث لكي يسعكم.
وقد جاء اللّه بالسعة فكلوا وادخروا وائتجروا : لفظ أبى داود. وليس عند مسلم والنسائي وابن ماجة «و ائتجروا» والنسائي في رواية «و تصدقوا» وله شاهد عن أبى سعيد الخدري عن أحمد «فائدة» قال في النهاية : ائتجروا أى تصدقوا طالبين للأجر. وليس هو اتجر بالإدغام من التجارة وأجاز الهروي الإدغام واستدل عليه بقوله «من يتجر مع هذا فيصلى معه» ولا دلالة فيه لأنه يحتمل أن يكون من التجارة.
(٣). قوله «و ائتجروا» الظاهر أن المراد : اطلبوا الأجر بالصدقة. (ع)