وقرئ وَبَرًّا عن أبى نهيك، جعل ذاته برا لفرط بره. أو نصبه بفعل في معنى أوصانى وهو كلفنى، لأن أوصانى بالصلاة وكلفنيها واحد وَالسَّلامُ عَلَيَّ قيل : أدخل لام التعريف لتعرفه بالذكر قبله، كقولك : جاءنا رجل، فكان من فعل الرجل كذا. والمعنى : ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلىّ. والصحيح أن يكون هذا التعريف تعريضا باللعنة على متهمى مريم عليها السلام وأعدائها من اليهود. وتحقيقه أن اللام للجنس، فإذا قال :
وجنس السلام علىّ خاصة فقد عرض بأن ضدّه عليكم. ونظيره قوله تعالى وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى يعنى أنّ العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام منا كرة وعناد، فهو مئنة لنحو هذا من التعريض.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٤]
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤)
قرأ عاصم وابن عامر قَوْلَ الْحَقِّ بالنصب. وعن ابن مسعود : قال الحق، وقال اللّه - وعن الحسن : قول الحق، بضم القاف، وكذلك في الأنعام قَوْلُهُ الْحَقُّ والقول والقال والقول بمعنى واحد، كالرهب والرهب والرهب. وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر، أو بدل، أو خبر مبتدأ محذوف. وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة اللّه، وعلى أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة إن أريد قول الثبات والصدق، كقولك : هو عبد اللّه حقا. والحق لا الباطل، وإنما قيل لعيسى «كلمة اللّه» و«قول الحق» لأنه لم يولد إلا بكلمة اللّه وحدها، وهي قوله كُنْ من غير واسطة أب، تسمية للسبب باسم السبب، كما سمى العشب بالسماء، والشحم بالنداء ويحتمل إذا أريد بقول الحق عيسى، أن يكون الحق اسم اللّه عزّ وجل، وأن يكون بمعنى الثبات والصدق، ويعضده قوله الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ أى أمره حق يقين وهم فيه شاكون يَمْتَرُونَ يشكون. والمرية : الشك. أو يتمارون : يتلاحون «١»، قالت اليهود : ساحر كذاب، وقالت النصارى : ابن اللّه وثالث ثلاثة. وقرأ على بن أبى طالب رضى اللّه عنه :
تمترون، على الخطاب. وعن أبىّ بن كعب : قول الحق الذي كان الناس فيه يمترون.
[سورة مريم (١٩) : آية ٣٥]
ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)
كذب النصارى وبكتهم بالدلالة على انتفاء الولد عنه، وأنه مما لا يتأتى ولا يتصور في العقول وليس بمقدور عليه، إذ من المحال غير المستقيم أن تكون ذاته كذات من ينشأ منه
(١). قوله «يتلاحون» التلاحي بمعنى التنازع كما في الصحاح. وعبارة النسفي : أو يختلفون، من المراء، فقالت اليهود... الخ. (ع)