سورة المؤمنون
مكية، وهي مائة وتسع عشرة آية. وثماني عشرة عند الكوفيين [نزلت بعد سورة الأنبياء] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١ إلى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢)
قَدْ نقيضة «لما» هي تثبت المتوقع و«لما» تنفيه، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم، فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه. والفلاح :
الظفر بالمراد. وقيل : البقاء في الخير. وأَفْلَحَ دخل في الفلاح، كأبشر : دخل في البشارة.
ويقال : أفلحه : أصاره إلى الفلاح. وعليه قراءة طلحة بن مصرف : أفلح، على البناء للمفعول.
وعنه : أفلحوا، على : أكلونى البراغيث. أو على الإبهام والتفسير. وعنه : أفلح، بضمة بغير واو، اجتزاء بها عنها، كقوله :
فلو أنّ الاطبّا كان حولي «١»
فإن قلت : ما المؤمن؟ قلت : هو في اللغة المصدق. وأما في الشريعة فقد اختلف فيه على قولين، أحدهما : أنّ كل من نطق بالشهادتين مواطئا قلبه لسانه فهو مؤمن. والآخر أنه صفة مدح لا يستحقها إلا البرّ التقىّ دون الفاسق الشقىّ «٢»
__
(١) فلو أن الأطباء كان حولي وكان مع الأطباء الأساة
الأصل : كانوا حولي، فقصره وقصر «الأطباء» لضرورة الوزن وهم علماء الطب. والأساة : جمع آس، كالسعاة :
جمع ساع، وهم المباشرون للعلاج من الأطباء، من الأسى كالفتى، بمعنى المداواة. والاساء - بالكسر - : الدواء، ولعله أصل الرواية، كما روى الشفاء، فحقه حرف الألف.
(٢). قال محمود :«اختلف في الايمان على قولين، أحدهما : أن كل من نطق بالشهادتين مواطئا قلبه لسانه فقد اتصف بالايمان. والآخر : أنه صفة مدح لا يستحقها الا البر التقى دون الفاسق الشقي» قال أحمد : والأول مذهب الأشعرية، والثاني مذهب المعتزلة. والموحد الفاسق عندهم لا مؤمن ولا كافر. ولو لم يبن المعتزلة على هذا المعتقد تحريم الجنة على الموحد الفاسق بناء على أنه لا يندرج في وعد المؤمنين، لكان البحث معهم لفظيا، ولكن رتبوا على ذلك أمرا عظيما من أصول الدين وقواعده. وقد نقل القاضي عنهم في رسالة الايمان خبطا طويلا، فنقل عن قدمائهم كعمرو بن عبيد وطبقته أن الايمان هو التصديق بالقلب وجميع فرائض الدين فعلا وتركا. ونقل عن أبى الهذيل العلاف أن الايمان هو جميع فرائض الدين ونوافله. ومختصر دليل القاضي لأهل السنة أن الايمان لغة هو مجرد التصديق اتفاقا، فوجب أن يكون كذلك شرعا، عملا بقوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ مع سلامته عن معارضة النقل، فانه لو كان لنبيه عليه الصلاة والسلام ولو بينه لنقل لأنه مما يبتنى عليه قاعدة الوعد والوعيد، ولم ينقل، لأن النقل إما آحاد أو تواتر إلى آخر مادته.


الصفحة التالية
Icon