فما هذه اللام : قلت قال الزجاج في تفسيره : البعد لما توعدون، أو بعد لما توعدون فيمن نوّن، فنزله منزلة المصدر. وفيه وجه آخر : وهو أن يكون اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد، كما جاءت اللام في هَيْتَ لَكَ لبيان المهيت به.
هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه. وأصله إن الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ثم وضع هِيَ موضع الحياة، لأنّ الخبر يدل عليها ويبينها. ومنه : هي النفس تتحمل ما حملت، وهي العرب تقول ما شاءت. والمعنى : لا حياة إلا هذه الحياة لأن «إن» النافية دخلت على «هي» التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها، فوازنت «لا» التي نفت ما بعدها نفى الجنس نَمُوتُ وَنَحْيا أى يموت بعض ويولد بعض، ينقرض قرن ويأتى قرن آخر، ثم قالوا : ما هود إلا مفتر على اللّه فيما يدعيه من استنبائه له، وفيما يعدنا من البعث، وما نحن بمصدّقين.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣٩ إلى ٤١]
قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١)
قَلِيلٍ صفة للزمان، كقديم وحديث، في قولك : ما رأيته قديما ولا حديثا. وفي معناه :
عن قريب. و«ما» توكيد قلة المدّة وقصرها الصَّيْحَةُ صيحة جبريل عليه السلام : صاح عليهم فدمّرهم بِالْحَقِّ بالوجوب، لأنهم قد استوجبوا الهلاك. أو بالعدل من اللّه، من قولك : فلان يقضى بالحق إذا كان عادلا في قضاياه : شبههم في دمارهم بالغثاء : وهو حميل السيل مما يلي واسودّ من العيدان والورق. ومنه قوله تعالى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى وقد جاء مشدّدا في قول امرئ القيس :
من السّيل والغثّاء فلكة مغزل «١»
(١) كأن ذرى رأس المخيم غدوة من السيل والغثاء فلكة مغزل
لامرئ القيس من معلقته. وذرى الجبل : أعاليه. والمخيم : أكمة بعينها. ويروى : المخيمر. والغثاء - بالضم مشددا ومخففا - : حميل السيل مما يلي واسود من العيدان والورق. والفلكة : بالفتح. والمغزل : مثلث. يقول :
كأن أعالى تلك الأكمة من إحاطة السيل بها واجتماع الغثاء حولها : فلكة مغزل في الاستدارة والارتفاع.