فاجلدوهما، كما تقول : من زنى فاجلدوه، وكقوله وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر، وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر. وقرئ : والزان، بلا ياء. والجلد : ضرب الجلد، يقال : جلده، كقولك : ظهره وبطنه ورأسه. فإن قلت : أهذا حكم جميع الزناة والزواني، أم حكم بعضهم؟
قلت : بل هو حكم من ليس بمحصن منهم، فإنّ المحصن حكمه الرجم. وشرائط الإحصان عند أبى حنيفة ست : الإسلام، والحرية، والعقل، والبلوغ، والتزوج بنكاح صحيح، والدخول.
إذا فقدت واحدة منها فلا إحصان. وعند الشافعي : الإسلام ليس بشرط، لما روى أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم رجم يهوديين زنيا «١». وحجة أبى حنيفة قوله صلى اللّه عليه وسلم «من أشرك باللّه فليس بمحصن «٢»» فإن قلت : اللفظ يقتضى تعليق الحكم بجميع الزناة والزواني، لأن قوله الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي عام في الجميع، يتناول المحصن وغير المحصن. قلت : الزانية والزاني يدلان على الجنسين المنافيين لجنسى العفيف والعفيفة دلالة مطلقة والجنسية قائمة في الكل والبعض جميعا، فأيهما قصد المتكلم فلا عليه، كما يفعل بالاسم المشترك. وقرئ : ولا يأخذكم، بالياء. ورأفة، بفتح الهمزة. ورآفة على فعالة. والمعنى : أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين اللّه ويستعملوا الجدّ والمتانة فيه، ولا يأخذهم اللين والهوادة في استيفاء حدوده. وكفى برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسوة في ذلك حيث قال «لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها «٣»» وقوله إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ من باب التهييج وإلهاب الغضب للّه ولدينه وقيل لا تترحموا عليهما حتى لا تعطلوا الحدود أو حتى لا توجعوهما ضربا. وفي الحديث «يؤتى بوال
(١). متفق عليه من حديث ابن عمر رضى اللّه عنهما
(٢). أخرجه إسحاق والدارقطني تفرد برفعه إسحاق. قلت : قال إسحاق في مسنده أن شيخه حدثه به مرة أخرى موقوفا.
(٣). متفق عليه من حديث عائشة رضى اللّه عنها.