فسمعها الرجل فقالها، فقال : ادخل «١». وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته : حييتم صباحا، وحييتم مساء، ثم يدخل، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد، فصدّ اللّه عن ذلك، وعلم الأحسن والأجمل. وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به، وباب الاستئذان من ذلك : بينا أنت في بيتك، إذا رعف عليك الباب «٢». بواحد، من غير استئذان ولا تحية من تحايى إسلام ولا جاهلية، وهو ممن سمع ما أنزل اللّه فيه، وما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولكن أين الأذن الواعية؟ وفي قراءة عبد اللّه : حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا. وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : إنما هو حتى تستأذنوا، فأخطأ الكاتب. ولا يعوّل على هذه الرواية. وفي قراءة أبىّ : حتى تستأذنوا ذلِكُمْ الاستئذان والتسليم خَيْرٌ لَكُمْ من تحية الجاهلية والدمور - وهو الدخول بغير إذن - واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك، كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب. وفي الحديث «من سبقت عينه استئذانه فقد دمر» «٣» وروى أنّ رجلا قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : أأستأذن على أمى؟ قال :
نعم، قال : إنها ليس لها خادم غيرى، أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال : أتحب أن تراها عريانة قال الرجل : لا. قال : فاستأذن «٤» لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أى أنزل عليكم. أو قيل لكم هذا إرادة أن تذكروا وتتعظوا وتعملوا بما أمرتم به في باب الاستئذان.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٨]
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨)
يحتمل فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً من الآذنين فَلا تَدْخُلُوها واصبروا حتى تجدوا من
(١). أخرجه ابن أبى شيبة من رواية سفيان السمان : سمعت سعيد بن جبير ولم يسم روضة، قال فيه :«و قال لخادمه».
(٢). قوله «إذا رعف عليك الباب» في الصحاح : رعف الرجل، إذا خرج الدم من أنفه. ورعف الفرس، إذا سبق وتقدم، فكان ما هنا مجاز على وجه التشبيه. (ع)
(٣). أخرجه الطبراني من طريق أبى السفر عن يزيد بن شريح عن أبى أمامة بلفظ «من أدخل عينه في بيت من غير إذن أهله فقد دمره ولإبراهيم الحربي في الغريب من حديث ثور بن يزيد عن يزيد بن شريح عن أبى حى المؤذن عن أبى هريرة بلفظ «لا يحل لمسلم أن ينظر في بيت حتى يستأذن فان فمل فقد دمر» قال أبو عبيدة في غريب الحديث : حدثنا هشيم عن منصور بن الحسن بلفظه مرسلا قال قال الكسائي «دمر» بالتخفيف أى دخل بغير إذن. [.....]
(٤). أخرجه أبو داود في المراسيل من حديث عطاء بن يسار «أن رجلا سأل» فذكره مرسلا، وهو في الموطأ عن صفوان بن سليم عن عطاء. وأورده الطبري من طريق زياد بن سعد عن عطاء مرسلا أيضا وقال ابن أبى شيبة في النكاح : حدثنا ابن عيينة عن زيد بن أسلم فذكره مرسلا