- فيمن لم يصرفه - أعلاما لمعانى : الفينة، «١» والسحر، والأمس، فجرى مجرى العدن لذلك.
أو هو علم لأرض الجنة، لكونها مكان إقامة، ولولا ذلك لما ساغ الإبدال، لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة، ولما ساغ وصفها بالتي. وقرئ : جنات عدن. وجنة عدن بالرفع على الابتداء. أى : وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة. أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها. أو بتصديق الغيب والإيمان به. قيل في مَأْتِيًّا مفعول بمعنى فاعل.
والوجه أنّ الوعد هو الجنة وهم يأتونها. أو هو من قولك : أتى إليه إحسانا، أى : كان وعده مفعولا منجزا.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦٢]
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)
اللغو : فضول الكلام وما لا طائل تحته. وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو واتقائه، حيث نزه اللّه عنه الدار التي لا تكليف فيها. وما أحسن قوله سبحانه وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ نعوذ باللّه من اللغو والجهل والخوض فيما لا يعنينا. أى : إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوا، فلا يسمعون لغوا إلا ذلك، فهو من وادى قوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب «٢»
أو لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة، على الاستثناء المنقطع «٣».
أو لأن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة «٤». ودار السلام : هي دار السلامة، وأهلها عن الدعاء بالسلامة أغنياء، فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث، لولا ما فيه من فائدة الإكرام.

__
(١). قوله «لمعانى الفينة» في الصحاح «لقيته الفينة بعد الفينة» أى الحين بعد الحين. وإن شئت حذفت الألف واللام فقلت : لقيته فينة، كما قالوا لقيته الندرى : وفي ندرى. (ع) [.....]
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بصفحة ١٤٢ من الجزء الثاني فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣). قال محمود :«يجوز أن يكون من قوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وأن يكون استثناء منقطعا»
قال أحمد : والفرق بين الوجهين أنه جعل الفلول عيبا على سبيل التجوز، بتا لنفى العيب بالكلية، كأنه يقول : إن كان فلول السيوف من القراع عيبا فإنهم ذوو عيب، معناه : وإن لم يكن عيبا فليس فيهم عيب البتة، لأنه لا شيء سوى هذا، فهو بعد هذا التجوز والفرض استثناء متصل.
(٤). عاد كلامه. قال :«و يجوز أن يكون متصلا على أن يكون السلام هو الدعاء بالسلامة... الخ» قال أحمد :
وهذا يجعله من المتصل على أصل الحقيقة. لا كالأول الناشئ عن المجاز. وفي هذا الباب بعد، لأنه يقتضى البت بأن الجنة يسمع فيها لغو وفضول، وحاش للّه، فلا غول فيها ولا لغو.


الصفحة التالية
Icon