في قلوبهم واعتقدوه. كما قال إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ. وَعَتَوْا وتجاوزوا الحدّ في الظلم. يقال : عتا علينا فلان. وقد وصف العتوّ بالكبير، فبالغ في إفراطه يعنى أنهم لم يخسروا على هذا القول العظيم، إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العنوّ، واللام جواب قسم محذوف. وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية. وفي أسلوبها قول القائل :
وجارة جسّاس أبأنا بنابها كليبا غلت ناب كليب بواؤها «١»
وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ التعجب. ألا ترى أن المعنى : ما أشدّ استكبارهم، وما أكبر عتوّهم، وما أغلى نابا بواؤها كليب.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٢٢]
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢)
يَوْمَ يَرَوْنَ منصوب بأحد شيئين : إما بما دل عليه لا بُشْرى أى : يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها. ويومئذ للتكرير. وإما بإضمار «اذكر» أى : اذكر يوم يرون الملائكة ثم قال لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ. وقوله «للمجرمين» إما ظاهر في موضع ضمير، وإما لأنه عام، فقد تناولهم بعمومه حِجْراً مَحْجُوراً ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو : معاذ اللّه، «٢» وقعدك اللّه، وعمرك اللّه. وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجوم نازلة، أو نحو ذلك : يضعونها موضع الاستعاذة. قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا،

__
(١). لرجل من بنى بكر : قبيلة جساس، يفتخر على بنى تغلب : قبيلة كليب بن ربيعة أخى مهلهل وخال امرئ القيس. وجارة جساس : هي خالته البسوس. أبأنا - بالهمز - : أى قابلنا وساوينا كليبا، بنابها : أى بناقتها المسنة، فقتلناه فيها، ثم قال تعجبا واستعظاما : غلت، أى : ارتفعت وعظمت ناقة مسنة مهزولة بواؤها كليب المشهور.
وبواء كسواء وزنا ومعنى، أى : كفؤها ومساويها كليب بن ربيعة الشجاع المعروف. ومن خبرها أن البسوس أتت مع رجل من جرم تزور أختها هيلة أم جساس بن مرة فخرجت ناقة الجرمي ترعى مع إبل بنى بكر في أرض تغلب لما كان بينهما من المصاهرة والمودة، فأنكر كليب الناقة وظنها أجنبية، فرماها بسهم فأصاب ضرعها فرجعت تشخب دما، وبركت بفناء جساس، فرأتها البسوس فصاحت : واذلاه، واغربتاه! فقال جساس : اهدئى، واللّه لأعقرن فيها فحلا هو أعز على أهله منها، فظن كليب أنه يعنى فحلا عنده اسمه عليان، فقال : دون عليان خرط القتاد، لكن جساسا كان يعنى نفس كليب، فترقبه يوما ورماه برمحه فصرعه، وتبعه عمرو بن الحرث، فلما رآه كليب قال له :
اسقني يا عمرو. فقال : تركت الماء وراءك وأجهز عليه، فضرب به المثل المشهور :
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
واشتعلت الحرب بين بكر وتغلب نحو ثلاثين سنة، وضرب المثل السائر : سد كليب في الناقة.
(٢). قوله «و قعدك اللّه» في الصحاح : وقولهم : قعيدك لا آتيك، وقعيدك اللّه لا آتيك، وقعدك اللّه لا آتيك :
يمين العرب، وهي مصادر استعملت منصوبة بفعل مضمر. والمعنى : بصاحبك الذي هو صاحب كل نجوى، كما يقال : نشدتك اللّه. (ع)


الصفحة التالية
Icon