الزجاج : ويجوز أن يكون أَنْ في موضع نصب، المعنى : إنما صارت نعمة علىّ لأن عبدت بنى إسرائيل، أى : لو لم تفعل ذلك لكفلنى أهلى ولم يلقوني في اليم.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٣]
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣)
لما قال له بوّابه إن هاهنا من يزعم أنه رسول رب العالمين قال له عند دخوله : وَما رَبُّ الْعالَمِينَ يريد : أى شيء رب العالمين. وهذا السؤال لا يخلو : إما أن يريد به أى شيء هو من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها، فأجاب بما يستدل به عليه من أفعاله الخاصة، ليعرّفه أنه ليس بشيء مما شوهد وعرف من الأجرام والأعراض، وأنه شيء مخالف لجميع الأشياء، «ليس كمثله شي ء» وإما أن يريد به : أى شيء هو على الإطلاق، تفتيشا عن حقيقته الخاصة ما هي، فأجابه بأنّ الذي إليه سبيل وهو الكافي في معرفته معرفة ثباته بصفاته، استدلالا بأفعاله الخاصة على ذلك. وأمّا التفتيش عن حقيقته الخاصة التي هي فوق فطر العقول، فتفتيش عما لا سبيل إليه، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق. والذي يليق بحال فرعون ويدل عليه الكلام :
أن يكون سؤاله هذا إنكارا لأن يكون للعالمين رب سواه لادعائه الإلهية، فلما أجاب موسى بما أجاب، عجب قومه من جوابه حيث نسب الربوبية إلى غيره، فلما ثنى بتقرير قوله، جننه إلى قومه وطنز به «١»، حيث سماه رسولهم. فلما ثلث بتقرير آخر : احتدّ واحتدم وقال : لئن اتخذت إلها غيرى. وهذا يدل على صحة هذا الوجه الأخير.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٤]
قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤)
فإن قلت : كيف قيل وَما بَيْنَهُمَا على التثنية، والمرجوع إليه مجموع؟ قلت : أريد وما بين الجنسين، فعل بالمضمر ما فعل بالظاهر من قال :
في الهيجا جمالين «٢»
(١). قوله «و طنز به» أى : سخر به واحتدم، أى : التهب صدره غيظا. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا فكيف لو قد سعي عمرو عقالين
لأصبح الناس أو بادا ولم يجدوا عند التفرق في الهيجا جمالين
الساعي : المنصوب لأخذ الزكاة. والعقال : زكاة العام، والمراد به هنا العام، لأنه جرى مجرى الظرف. والسبد :
الشيء القليل. يقال : لا له سبد ولا لبد، أى : لا قليل ولا كثير. وقال الأصمعي : الأول من الشعر، والثاني من الصوف. والأوباد : جمع وبد بفتحتين، وأصله ضيق العيش وسوء الحال، فاستعمل استعمال الصفات للمبالغة، وثنى الجمال على معنى نوعين منها أو طائفتين منها ولو من نوع واحد. يقول : سعى سنة واحدة لأخذ زكاتها، فظلمنا ولم يترك لنا شيئا قليلا من مالنا، فكيف يكون حالنا لو سعى عامين. وفي ذكر عمرو بعد تقدم ضميره نوع من التهويل. ويحتمل أنه من باب التنازع، فيجوز أن الظاهر فاعل الأول، وفاعل الثاني ضميره، وقوله «لأصبح» مرتب على محذوف، أى : لو سعى عقالين، لأصبح الناس هلكى من الفقر، ولم يجدوا عند تفرقهم في الحرب نوعين من الجمال : لكل فريق منهما نوع، فيختل أمر الغزوات لاحتمال محاربة العدو في جهتين بل في جهات، فيحتاج إلى جمالين، بل إلى جمالات.