ما يَأْفِكُونَ ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم وكيدهم، ويزوّرونه فيخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى، بالتمويه على الناظرين أو إفكهم : سمى تلك الأشياء إفكا مبالغة. روى أنهم قالوا : إن يك ما جاء به موسى سحرا فلن يغلب، وإن كان من عند اللّه فلن يخفى علينا، فلما قذف عصاه فتلقفت ما أتوا به، علموا أنه من اللّه فآمنوا. وعن عكرمة رضى اللّه عنه : أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء. وإنما عبر عن الخرور بالإلقاء، لأنه ذكر مع الإلقاآت، فسلك به طريق المشاكلة. وفيه أيضا مع مراعاة المشاكلة أنهم حين رأوا ما رأوا، لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين، كأنهم أخذوا فطرحوا طرحا. فإن قلت : فاعل الإلقاء ما هو لو صرح به؟ قلت : هو اللّه عزّ وجل بما خوّلهم من التوفيق. أو إيمانهم. أو ما عاينوا من المعجزات الباهرة، ولك أن لا تقدّر فاعلا، لأنّ أَلْقُوا بمعنى خرّوا وسقطوا رَبِّ مُوسى وَهارُونَ عطف بيان لرب العالمين، لأنّ فرعون لعنة اللّه عليه كان يدعى الربوبية، فأرادوا أن يعزلوه. ومعنى إضافته إليهما في ذلك المقام : أنه الذي يدعو إليه هذان، والذي أجرى على أيديهما ما أجرى.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ٤٩]
قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)
فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أى وبال ما فعلتم.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٥٠ إلى ٥١]
قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)
الضر والضير والضور : واحد، أرادوا : لا ضرر علينا في ذلك، بل لنا فيه أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه اللّه، من تكفير الخطايا والثواب العظيم، مع الأعواض الكثيرة.
أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به من القتل أنه لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت. والقتل أهون أسبابه وأرجاها. أو لا ضير علينا في قتلك، إنك إن قتلتنا انقلبنا إلى ربنا انقلاب من يطمع في مغفرته ويرجو رحمته، لما رزقنا من السبق إلى الإيمان وخبر لا محذوف. والمعنى : لا ضير في ذلك، أو علينا أَنْ كُنَّا معناه : لأن كنا، وكانوا أوّل جماعة مؤمنين من أهل زمانهم، أو من رعية فرعون، أو من أهل المشهد. وقرئ : إن كنا، بالكسر وهو من الشرط الذي يجيء به المدلّ بأمره «١»، المتحقق لصحته، وهم كانوا متحققين أنهم أوّل
(١). قوله «المدل بأمره» أى الواثق به. أفاده الصحاح. (ع)