لكم وفيما أدعوكم إليه من الحق عَلَيْهِ على هذا الأمر، وعلى ما أنا فيه، يعنى : دعاءه ونصحه ومعنى فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ : فاتقوا اللّه في طاعتي، وكرره ليؤكده عليهم ويقرّره في نفوسهم، مع تعليق كل واحدة منهما بعلة، جعل علة الأوّل كونه أمينا فيما بينهم، وفي الثاني حسم طمعه عنهم.
[سورة الشعراء (٢٦) : آية ١١١]
قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)
وقرئ : وأتباعك، جمع تابع، كشاهد وأشهاد. أو جمع تبع، كبطل وأبطال. والواو للحال. وحقها أن يضمر بعدها «قد» في : واتبعك. وقد جمع الأرذل على الصحة وعلى التكسير في قوله الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا والرذالة والنذالة : الخسة والدناءة. وإنما استرذلوهم لا تضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا. وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنية «١» كالحياكة والحجامة. والصناعة لا تزري بالديانة، وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وما زالت أتباع الأنبياء كذلك، حتى صارت من سماتهم وأماراتهم. ألا ترى إلى هرقل حين سأل أبا سفيان عن أتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما قال : ضعفاء الناس وأراذلهم قال : ما زالت أتباع الأنبياء كذلك «٢». وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : هم الغاغة «٣». وعن عكرمة :
الحاكة والأساكفة. وعن مقاتل : السفلة.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١١٢ إلى ١١٥]
قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥)
وَما عِلْمِي وأى شيء علمى؟ والمراد : انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم للّه واطلاعه على سر أمرهم وباطنه. وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا - مع استرذالهم - في إيمانهم، وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة، وإنما آمنوا هوى وبديهة، كما حكى اللّه عنهم في قوله الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ويجوز أن يتغابى لهم نوح عليه السلام. فيفسر قولهم الأرذلين، بما هو الرذالة عنده، من سوء الأعمال وفساد العقائد، ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم، ثم يبنى جوابه على ذلك فيقول : ما علىّ إلا اعتبار الظواهر، دون التفتيش عن أسرارهم والشق عن قلوبهم، وإن كان لهم عمل سيئ، فاللّه محاسبهم ومجازيهم عليه، وما أنا إلا منذر لا محاسب ولا مجاز لَوْ تَشْعُرُونَ ذلك، ولكنكم تجهلون فتنساقون مع الجهل حيث سيركم، وقصد بذلك ردّ اعتقادهم وإنكار
(١). قوله «الصناعات الدنية» لعله : الدنيئة. كعبارة النسفي. (ع)
(٢). متفق عليه من حديث ابن عباس عن أبى سفيان بلفظ : وسألتك ضعفاء الناس اتبعوه أم أشرافهم؟ فقلت :
بل ضعفاؤهم وكذلك أتباع الرسل. قلت : رواه بلفظ «أراذلهم».
(٣). قوله «هم الغاغة» لعله الصاغة. وفي الخازن : قال ابن عباس : يعنى القافة. (ع)