قلت : الأصل : عزل الواو لأن الجملة صفة لقرية، وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما في قوله سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٠ إلى ٢١٢]
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)
كانوا يقولون : إنّ محمدا كاهن وما يتنزل عليه من جنس ما يتنزل به الشياطين على الكهنة، فكذبوا بأنّ ذلك مما لا يتسهل للشياطين ولا يقدرون عليه، لأنهم مرجومون بالشهب معزولون عن استماع كلام أهل السماء. وقرأ الحسن : الشياطون. ووجهه أنه رأى آخره كآخر يبرين وفلسطين، فتخير بين أن يجرى الإعراب على النون، وبين أن يجريه على ما قبله، فيقول : الشياطين والشياطون، كما تخيرت العرب بين أن يقولوا. هذه يبرون ويبرين.
وفلسطون وفلسطين. وحقه أن تشتقه من الشيطوطة وهي الهلاك كما قيل له الباطل. وعن الفرّاء : غلط الشيخ في قراءته «الشياطون» ظنّ أنها النون التي على هجاءين، فقال النضر بن شميل :
إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة، فهلا جاز أن يحتجّ بقول الحسن وصاحبه - يريد : محمد ابن السميقع - مع أنا نعلم أنهما لم يقرءا به إلا وقد سمعا فيه.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٣ إلى ٢١٤]
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)
قد علم أنّ ذلك لا يكون، ولكنه أراد أن يحرّك منه لازدياد الإخلاص والتقوى. وفيه لطف لسائر المكلفين، كما قال وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك، فيه وجهان : أحدهما أن يؤمر بإنذار الأقرب فالأقرب من قومه، ويبدأ في ذلك بمن هو أولى بالبداءة، ثم بمن يليه. وأن يقدّم إنذارهم على إنذار غيرهم، كما روى عنه عليه السلام :
أنه لما دخل مكة قال :«كل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأوّل ما أضعه ربا العباس «١»» والثاني : أن يؤمر بأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة، ولا يحابيهم في الإنذار والتخويف. وروى أنه صعد الصفا - لما نزلت - فنادى الأقرب فالأقرب فخذا فخذا، وقال : يا بنى عبد المطلب، يا بنى هاشم، يا بنى عبد مناف، يا عباس عمّ النبىّ
(١). أخرجه مسلم من حديث جابر الطويل في صفة الحج وعزاه الطيبي للترمذي من رواية عمرو بن الأحوص وليس هو عنده بتمامه.