وسجوده وقعوده إذا أمّهم. وعن مقاتل : أنه سأل أبا حنيفة رحمه اللّه، هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن؟ فقال : لا يحضرني، فتلا له هذه الآية. ويحتمل أنه : لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لما تقوله الْعَلِيمُ بما تنويه وتعمله. وقيل : هو تقلب بصره فيمن يصلى خلفه، من قوله صلى اللّه عليه وسلم :«أتموا الركوع والسجود، فو اللّه إنى لأراكم من خلف ظهري إذا ركعتم وسجدتم «١»». وقرئ : ويقلبك.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢١ إلى ٢٢٣]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣)
كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ هم الكهنة والمتنبئة، كشقّ، وسطيح، ومسيلمة، وطليحة يُلْقُونَ السَّمْعَ هم الشياطين، كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يسمعون إلى الملإ الأعلى فيختطفون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب، ثم يوحون به إلى أوليائهم من أولئك وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ فيما يوحون به إليهم، لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا. وقيل : يلقون إلى أوليائهم السمع أى المسموع من الملائكة. وقيل : الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون وحيهم إليهم. أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس، وأكثر الأفاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم، وترى أكثر ما يحكمون به باطلا وزورا. وفي الحديث :«الكلمة يتخطفها الجنىّ فيقرّها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة» «٢» والقرّ : الصبّ. فإن قلت : كيف دخل حرف الجرّ على «من» المتضمنة لمعنى الاستفهام والاستفهام له صدر الكلام؟ ألا ترى إلى قولك : أعلى زيد مررت؟ ولا تقول : على أزيد مررت؟ قلت : ليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا : معنى الاسم، ومعنى الحرف، وإنما معناه : أن الأصل أمن، فحذف حرف الاستفهام واستمرّ الاستعمال على حذفه، كما حذف من «هل» والأصل : أهل. قال :
أهل رأونا بسفح القاع ذى الأكم»
(١). متفق عليه من حديث قتادة عن أنس بمعناه. واللفظ المذكور عند النسائي واتفقا عليه من حديث أبى هريرة بلفظ «هل ترون قبلتي هاهنا : فو اللّه ما يخفى على ركوعكم ولا سجودكم، وإنى لأراكم من وراء ظهري». [.....]
(٢). متفق عليه من حديث عائشة أتم منه.
(٣) سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القاع ذى الأكم
لزيد الخيل الذي سماه النبي صلى اللّه عليه وسلم زيد الخير، وسائل : فعل أمر بمعنى اسألهم وراجعهم في السؤال، لتتلقن حقيقة الحال، ويربوع : أبو حى، والباء بمعنى عن، أى : سلهم عن قوتنا، ويروى :
بشدتنا، بفتح الشين. يقال : شد على قرنه في الحرب : حمل عليه، أى سلهم عن صولتنا عليهم، وجعل البصريون الباء بعد السؤال للسببية، لا بمعنى عن، والأصل في الاستفهام الهمزة، ولذلك كان لها تمام التصدير في الكلام، وأصل «هل» بمعنى «قد»، «و من» لمن يفعل، «و ما» لما لا يفعل. «و متى» للزمان، وهكذا بقية الأدوات موضوعة لمعان غير الاستفهام، فليست عريقة فيه، بل الهمزة مقدرة قبلها، ولذلك تظهر في بعض الأحيان كما في البيت، ويدخل عليها حروف الجر، ويضاف إليها غيرها : لكن لكثرة الاستعمال فيه صارت الهمزة نسيا منسيا في حيز الإهمال، والاستفهام هنا للتقرير، «و هل» بمعنى «قد»، وأنكر ذلك ابن هشام. ونقل عن السيرافي أن الرواية : أم هل، فأم بمعنى «بل» «و هل» للاستفهام : قال : وعلى صحة الأولى فهل مؤكدة للهمزة شذوذا اه ويروى : فهل رأونا. ويجوز أن معناه : سلهم فقد رأونا. والسفح : السطح أو أصل الجبل المنسطح. والقاع المستوى من الأرض. والأكم - بالفتح - : واحده أكمة، وجمعه أكم بالضم، وهي التلول المرتفعة.