لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ لتؤتاه وتلقنه مِنْ عند أىّ حَكِيمٍ وأىّ عَلِيمٍ وهذا معنى مجيئهما نكرتين. وهذه الآية بساط وتمهيد، لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٧]
إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧)
إِذْ منصوب بمضمر، وهو : اذكر، كأنه قال على أثر ذلك : خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى. ويجوز أن ينتصب بعليم. وروى أنه لم يكن مع موسى عليه السلام غير امرأته، وقد كنى اللّه عنها بالأهل، فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع، وهو قوله امْكُثُوا. الشهاب :
الشعلة. والقبس : النار المقبوسة، وأضاف الشهاب إلى القبس لأنه يكون قبسا وغير قبس.
ومن قرأ بالتنوين : جعل القبس بدلا، أو صفة لما فيه من معنى القبس. والخبر : ما يخبر به عن حال الطريق، لأنه كان قد ضله. فإن قلت : سآتيكم منها بخبر، ولعلى آتيكم منها بخبر : كالمتدافعين :
لأنّ أحدهما ترجّ والآخر تيقن. قلت : قد يقول الراجي إذا قوى رجاؤه : سأفعل كذا، وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة. فإن قلت : كيف جاء بسين التسويف؟ قلت : عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ، أو كانت المسافة بعيدة. فإن قلت : فلم جاء بأو دون الواو؟ قلت : بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم واحدة منهما : إمّا هداية الطريق، وإما اقتباس النار، ثقة بعادة اللّه أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده، وما أدراه حين قال ذلك أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين جميعا، وهما العزّان : عز الدنيا، وعز الآخرة.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨]
فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨)
أَنْ هي المفسرة : لأنّ النداء فيه معنى القول. والمعنى : قيل له بورك. فإن قلت : هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وتقديره : نودي بأنه بورك. والضمير ضمير الشأن؟ قلت :
لا، لأنه لا بدّ من «قد». فإن قلت : فعلى إضمارها؟ قلت : لا يصح، لأنها علامة لا تحذف.
ومعنى بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها بورك من في مكان النار، ومن حول مكانها. ومكانها :
البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ وتدل عليه قراءة أبىّ. تباركت الأرض ومن حولها. وعنه : بوركت النار، والذي بوركت له البقعة، وبورك من فيها وحواليها حدوث أمر دينى فيها : وهو تكليم