وكلمة عوراء، لأن الكلمة الحسنة ترشد، والسيئة تغوى. ونحوه قوله تعالى لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ فوصفها بالبصارة، كما وصفها بالإبصار. وقرأ علىّ بن الحسين رضى اللّه عنهما وقتادة : مبصرة، وهي نحو : مجبنة ومبخلة ومجفرة «١»، أى :
مكانا يكثر فيه التبصر.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٤]
وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)
الواو في وَاسْتَيْقَنَتْها واو الحال، وقد بعدها مضمرة، والعلو : الكبر والترفع عن الإيمان بما جاء به موسى، كقوله تعالى فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ وقرئ : عليا، وعليا بالضم والكسر، كما قرئ عتيا، وعتيا. وفائدة ذكر الأنفس : أنهم جحدوها بألسنتهم، واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم. والاستيقان أبلغ من الإيقان، وقد قوبل بين المبصرة والمبين، وأى ظلم أفحش من ظلم من اعتقد واستيقن أنها آيات بينة واضحة جاءت من عند اللّه، ثم كابر بتسميتها سحرا بينا مكشوفا لا شبهة فيه.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٥]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)
عِلْماً طائفة من العلم «٢» أو علما سنيا غزيرا. فإن قلت : أليس هذا موضع الفاء دون الواو، كقولك : أعطيته فشكر، ومنعته فصبر؟ قلت : بلى، ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه، فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد، كأنه قال : ولقد آتيناهما علما فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه «٣» والفضيلة وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا
(١). قوله «و مجفرة» في الصحاح «جفر الفحل عن الضراب» : إذا انقطع عنه. ومنه قيل : الصوم مجفرة، أى قاطع للنكاح. (ع)
(٢). قال محمود :«معناه طائفة من العلم» قال أحمد : التبعيض والتقليل من التنكير، وكما يرد للتقليل من شأن المنكر، فكذلك يرد للتعظيم من شأنه كما مر آنفا في قوله تعالى وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ولم يقبل الحكيم العليم. والغرض من التنكير التفخيم، كأنه قال : من لدن حكيم عليم، فظاهر قوله وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً في سياق الامتنان تعظيم العلم الذي أوتياه، كأنه قال : علما أى علم، وهو كذلك، فان علمهما كان مما يستعظم ويستغرب، ومن ذلك علم منطق الطير وسائر الحيوانات الذي خصهما اللّه تعالى به وكل علم بالاضافة إلى علم اللّه تعالى قليل ضئيل، واللّه أعلم.
(٣). قال محمود :«بجلا نعمة اللّه عليهما من حيث قولهما فَضَّلَنا وتواضعا بقولهما عَلى كَثِيرٍ ولم يقولا : على عباده، اعترافا بأن غيرهما يفضلهما، حذرا من الترفع.