أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء، فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهنّ، ثم دعا بالدعوة. ومعنى وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ واجعلنى من أهل الجنة.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٠ إلى ٢١]
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١)
أَمْ هي المنقطعة : نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره، فقال ما لِيَ لا أَرَى على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول : أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له. ونحوه قولهم : إنها لإبل أم شاء، وذكر من قصة الهدهد أنّ سليمان حين تم له بناء بيت المقدس تجهز للحج بحشره «١»، فوافى الحرم وأقام به ما شاء، وكان يقرّب كل يوم طول مقامه بخمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة، ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا، فوافى صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضا حسناء أعجبته خضرتها، فنزل ليتغدّى ويصلى فلم يجدوا الماء، وكان الهدهد قناقنه «٢»، وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فيجيء الشياطين فيسلخونها كما يسلخ الإهاب ويستخرجون الماء، فتفقده لذلك، وحين نزل سليمان حلق الهدهد فرأى هدهدا واقعا، فانحط إليه فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء، وذكر له صاحبه ملك بلقيس، وأنّ تحت يدها اثنى عشر ألف قائد تحت كل قائد مائة ألف وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر، وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه، ثم قال لسيد الطير وهو العقاب : علىّ به، فارتفعت فنظرت، فإذا هو مقبل فقصدته، فناشدها اللّه وقال :
بحق الذي قوّاك وأقدرك علىّ إلا رحمتينى، فتركته وقالت : ثكلتك أمك، إنّ نبى اللّه قد حلف ليعذبنك، قال : وما استثنى؟ قالت : بلى قال : أو ليأتينى بعذر مبين، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرّها علىّ الأرض تواضعا له، فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه إليه، فقال :
يا نبى اللّه، اذكر وقوفك بين يدي اللّه، فارتعد سليمان وعفا عنه، ثم سأله. تعذيبه : أن يؤدّب
(١). قوله «تجهز للحج بحشره» في الصحاح : حشرت الناس أحشرهم حشرا : جمعتهم. ومنه : يوم الحشر. (ع)
(٢). قوله «و كان الهدهد قناقنه» القناقن - بالضم - : الدليل الهادي والبصير بالماء في حفر القنى. والقنى :
جمع قناة. أفاده الصحاح في موضعين. (ع)