كما سمى المشئون شأنا في قولك : ما شأنك؟ يقال : شأنت شأنه، أى : قصدت قصده. وقرئ لا نسقي. ويصدر. والرعاء، بضم النون والياء والراء. والرعاء : اسم جمع كالرخال والثناء «١».
وأما الرعاء بالكسر فقياس، كصيام وقيام كَبِيرٌ كبير السن فَسَقى لَهُما فسقى غنمهما لأجلهما. وروى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال. وقيل :
عشرة. وقيل : أربعون. وقيل : مائه، فأقله وحده. وروى أنه سألهم دلوا من ماء فأعطوه دلوهم وقالوا : استق بها، وكانت لا ينزعها إلا أربعون، فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة، وروّى غنمهما وأصدرهما. وروى أنه دفعهم عن الماء حتى سقى لهما. وقيل : كانت بئرا أخرى عليها الصخرة. وإنما فعل هذا رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف. والمعنى : أنه وصل إلى ذلك الماء وقد ازدحمت عليه أمّة من أناس مختلفة متكاثفة العدد، ورأى الضعيفتين من ورائهم مع غنيمتهما مترقبتين لفراغهم، فما أخطأت همته في دين اللّه تلك الفرصة، مع ما كان به من النصب وسقوط خف القدم والجوع، ولكنه رحمهما فأغاثهما، وكفاهما أمر السقي في مثل تلك الزحمة بقوّة قلبه وقوّة ساعده، وما آتاه اللّه من الفضل في متانة الفطرة ورصانة الجبلة وفيه مع إرادة اقتصاص أمره وما أوتى من البطش والقوّة وما لم يغفل عنه، على ما كان به من انتهاز فرصة الاحتساب، ترغيب في الخير، وانتهاز فرصه، وبعث على الاقتداء في ذلك بالصالحين والأخذ بسيرهم ومذاهبهم. فإن قلت : لم ترك المفعول غير مذكور في قوله يَسْقُونَ وتَذُودانِ ولا نَسْقِي «٢»؟ قلت : لأن الغرض هو الفعل لا المفعول. ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلا، وكذلك قولهما لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ المقصود فيه السقي لا المسقى. فإن قلت : كيف طابق جوابهما سؤاله قلت : سألهما عن سبب الذود فقالتا : السبب في ذلك أنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال «٣» ومزاحمتهم، فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا، وما لنا رجل يقوم بذلك، وأبونا شيخ قد أضعفه الكبر فلا يصلح للقيام به : أبلتا إليه عذرهما «٤» في توليهما السقي بأنفسهما. فإن قلت : كيف ساغ لنبىّ اللّه الذي هو شعيب عليه السلام أن يرضى لا بنتيه
(١). قوله «لا نسقي ويصدر والرعاء بضم النون والياء والراء... الخ» يفيد أن القراءة المشهورة بفتح النون والياء وكسر الراء. والرخال : واحده رخل، وهي الأنثى من ولد الضأن. والثناء : عقال البعير ونحوه من حبل مثنى، كذا في الصحاح. (ع)
(٢). قوله «و تذودان ولا نسقي» لعل بعده سقطا تقديره : فسقى لهما، وعبارة النسفي : لا نسقي، و : فسقى. (ع)
(٣). قوله «لا نقدر على مساجلة الرجال» في الصحاح :«السجل» الدلو إذا كان فيه ماء. والمساجلة : المفاخرة بأن تصنع مثل صنعه في جرى أو سقى، وأصله من الدلو اه. (ع)
(٤). قوله «أبلتا إليه عذرهما» لعله تحريف، وأصله : أبدتا، كعبارة النسفي. (ع)